خاص: بالوثائق.. تصعيد جديد في منطقة القبائل، يواجهه النظام القمعي الجزائري بأحكام قضائية مشددة
الدار/ خاص
تتجه الأنظار مجددًا إلى منطقة القبائل في الجزائر بعد صدور سلسلة من الأحكام القضائية المشددة بحق نشطاء وسياسيين يطالبون بالاستقلال وتقرير المصير.
الأحكام، التي وصلت إلى السجن المؤبد وفرض غرامات مالية باهظة، تعكس تشدد النظام الجزائري في التعامل مع الحراك السياسي في المنطقة. ومع استمرار هذا النهج، تُطرح تساؤلات حول قانونية هذه الأحكام ومدى احترامها لحقوق الإنسان، خاصة في ظل اتهامات النظام بتوظيف القضاء كأداة لإسكات الأصوات المعارضة وقمع طموحات الشعب القبائلي المشروعة.
تُظهر الوثائق القضائية التي حصلت عليها الدار، أن المحاكم الجزائرية أصدرت أحكامًا مشددة بحق عشرات الناشطين المنتمين أو المؤيدين لحركة استقلال منطقة القبائل (الماك).
وعوقب بعض النشطاء بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بـ”إنشاء تنظيم إرهابي” و”تهديد أمن الدولة”. ورغم غياب أدلة ملموسة تُثبت ارتكابهم لأعمال عنف، اعتمدت المحاكم على تهم فضفاضة تستند إلى نشاطهم السياسي ومطالبهم بالاستقلال.
صدرت أحكام بالسجن لمدة 20 عامًا بحق العديد من النشطاء، مع فرض غرامات مالية تتراوح بين 500 ألف إلى 700 ألف دينار جزائري. التهم الموجهة تضمنت “بث أفكار انفصالية” و”التحريض على التظاهر”، في إشارة إلى الأنشطة السياسية السلمية التي تنظمها الحركة داخل وخارج الجزائر.
تُظهر القضايا المعروضة أن النظام الجزائري يتعامل مع مطالب الشعب القبائلي باعتبارها جريمة تُعاقب بأقصى العقوبات، ما يعكس استخدامًا ممنهجًا للقضاء كأداة سياسية لإخماد الحراك السلمي في المنطقة.
تثير هذه الأحكام جدلًا قانونيًا واسعًا على المستويين الداخلي والدولي، نظرًا لتناقضها مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
يعتمد القضاء الجزائري على مواد قانونية غامضة وفضفاضة لتوجيه تهم “الإرهاب” و”التحريض”، دون تقديم أدلة مادية تُثبت ارتكاب المتهمين لجرائم حقيقية.
يُعاقب النشطاء لمجرد تعبيرهم عن مطالب تقرير المصير، وهو حق مشروع منصوص عليه في المواثيق الدولية، لا سيما المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، التي تُقر بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية.
تعكس المحاكمات غياب مبادئ العدالة والنزاهة، حيث يُحاكم النشطاء في ظل إجراءات تُوصف بأنها تعسفية و”محاكمات صورية” تفتقر إلى أدنى مقومات المحاكمة العادلة.
تمثل منطقة القبائل، بتاريخها النضالي وهويتها المتميزة، واحدة من أبرز بؤر الحراك السياسي في الجزائر. تعود جذور مطالب تقرير المصير إلى عقود طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي، إضافة إلى محاولات النظام فرض سياسات مركزية تهدد ثقافة وهوية شعب القبائل.
يرى أنصار حركة تقرير المصير أن مطالبهم ترتكز على الحق المشروع في التعبير وتقرير المصير، بعيدًا عن أي وصم أو تهميش. كما يؤكدون أن حركة “الماك” تنشط بشكل سلمي ومدني، وأن لجوء النظام إلى القمع هو دليل على فشله في احتواء مطالب المنطقة بالحوار والطرق الديمقراطية.
بدلًا من معالجة الأزمة بطرق سياسية حوارية، اختار النظام الجزائري نهجًا أمنيًا وقضائيًا صارمًا، عبر إصدار أحكام بالسجن المؤبد وفرض غرامات مالية ضخمة تهدف إلى ترهيب النشطاء ومعاقبة العائلات اقتصاديًا.
من المتوقع أن تُفاقم هذه الأحكام حالة الاحتقان والغضب الشعبي في منطقة القبائل، حيث يُنظر إليها باعتبارها استمرارًا لسياسات القمع وتهميش الحقوق السياسية.
من المرجح أن تُسلط المنظمات الحقوقية الدولية الضوء على الانتهاكات المرتبطة بهذه الأحكام، مما يزيد من عزلة النظام الجزائري ويعرضه لضغوط سياسية ودبلوماسية.
قد تؤدي هذه السياسات إلى خلق شرخ أعمق بين النظام الجزائري وسكان منطقة القبائل.
إن إصدار أحكام قضائية مشددة بحق نشطاء منطقة القبائل يعكس توجه النظام الجزائري نحو قمع المطالب السلمية بتقرير المصير وإسكات الأصوات المعارضة. هذه السياسات، التي تتنافى مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، لن تزيد الوضع إلا تأزمًا وتدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر.