أخبار الدارسلايدر

ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟

الدار/ تحليل

نشوة الفرح بنجاح الثورة وإسقاط نظام بشار الأسد وعودة النازحين واللاجئين وتحرير المعتقلين بدأت تخبو شيئا فشيئا مع استكشاف السوريين للواقع المعقد الذي تعانيه البلاد. هناك تحديات هائلة تواجه الثورة السورية وتعوّق حتّى اللحظة مسارها الهادئ الذي رآه البعض نموذجيا في البداية. لقد تراجعت قوات الأسد وانسحبت من مواقعها وتحررت المدن السورية دون قتال في معظم الحالات، وتم حقن دماء السوريين ولا سيّما من المدنيين، وهذا مكسب مهم للغاية بعد أكثر من 13 عاما على حرب مدمّرة قضى فيها مئات الآلاف وهُجّر الملايين. كما تجنّبت البلاد الوقوع في فخّ تصفية الحسابات والنزعة الانتقامية وحمّام الدم الذي كان من الممكن أن تسفر عنه.
لكن مع ذلك فإن خارطة البلاد تُظهر إلى أيّ حد يظل إسقاط النظام البائد ونجاح الثورة السورية مكسبا هشا. تنقسم هذه الخارطة إلى مناطق خاضعة لقوات هيئة تحرير الشام التي سيطرت على العاصمة دمشق، وهناك مناطق خاضعة في شمال شرق البلاد إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل المكوّن الكردي. وفي الشمال هناك تواجد تركي مكثف علما أن هيئة تحرير الشام نفسها تعمل اليوم تحت إشراف مباشر من أنقرة. وخلف معاقل قوات سوريا الديمقراطية تتركز القواعد العسكرية الأميركية. وفي جنوب غرب البلاد اقتحمت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة المحاذية للجولان المحتل وتوسعت في القرى المتاخمة، وهناك احتمالات لمزيد من التوسع. إلى جانب هذه القوى المسيطرة في الميدان ما تزال روسيا تحتفظ بقواعد عسكرية وبحرية في منطقة الساحل السوري.
يؤكد هذا الواقع الميداني أن الثورة السورية ما تزال تواجه تحدي توحيد البلاد تحت راية واحدة، وضمان استقرار القُطر السوري بحدوده التي تعترف بها هيئة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي. وما يزيد هشاشة هذا الوضع الأمني هو التنوع الطائفي الذي تتميز به سوريا، فهي بلد يحتضن أكثر من 18 طائفة، تتوزع بين السنّة والعلويين والمسيحيين والدروز، إضافة إلى التنوع العرقي الذي يضم العرب والأكراد والتركمان والأرمن وغيرهم من الإثنيات. صحيح أن هذه الطوائف تعايشت فيما بينها على مدار قرون طويلة من الزمن، لكن إرث نظام الأسد خلّف الكثير من المظالم والأحقاد ولا سيّما ضد الطائفة العلوية التي كان بشار الأسد يعتمد عليها في تشكيل الجيش وقوات الأمن، ويوظفها كحاضنة لنظامه وضمان بقائه.
إضافة إلى هذا الوضع الأمني والجيواستراتيجي الملغوم هناك تحدّ أكبر يتمثل في التصدي للثورة المضادة التي يمكن أن يقودها فلول نظام الأسد بمساعدة بعض الأنظمة في الجوار ولا سيما إيران. وهذه الفلول تحاول اليوم استغلال الواقع الأمني الهشّ، والتوقعات الهائلة التي يحملها الشعب السوري تّجاه حكومة الإنقاذ الحالية لتوجيه الرأي العام وخداعه، ومن ثمّ التأثير في ثقته بالبديل الذي تمثله هيئة تحرير الشام. لقد لاحظنا كيف بدأت بعض الأصوات تتعالى من أجل مقارنة ما حدث في سوريا بما حدث في ثورات عربية أخرى سابقة مثل ليبيا، وما يعنيه ذلك من انهيار الدولة، والفشل في توحيدها، واحتمالات الانفلات الأمني المدمّر أو الانقسام المزمن. هذه المخاوف تبدو طبيعية في جانب منها، لكنها تنطوي أحيانا على عمليات موجّهة تسعى إلى عرقلة مسار التغيير الذي يجري الآن في سوريا.
ومن أهم الجوانب التي تمثل اليوم إكراها كبيرا أمام قيادة الثورة السورية المعضلة الاقتصادية. لقد خرّب نظام بشار الأسد الاقتصاد السوري تماما، وأضحت البلاد تفتقر إلى أبسط الخدمات المعيشية، بينما انهارت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، ووصلت أسعار المواد الأساسية إلى مستويات قياسية. ويعيش أكثر من 90 في المائة من السوريين اليوم تحت عتبة الفقر. وتشكّل الانتظارات الاجتماعية والاقتصادية أكبر اختبار يواجه النظام الجديد في سوريا، وقد يفضي تراكم التوقعات الإيجابية بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى خيبات أمل كبيرة يمكن أن تُسهم بسرعة في تبديد رصيد الثقة المهدد أصلا بالكثير من العقبات والمخاطر المتنوعة. وهذا يعني أن ربيع الثورة السورية المفعم بالكثير من الأماني والأحلام قد يصطدم في أقرب الآجال بواقع المصالح المتشابكة في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى