تغييرات في قيادة الجيش الموريتاني تستبق مؤامرات العالم الآخر
الدار/ تحليل
الإجراء الذي قام به الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بتغيير قادة الجيش الموريتاني مباشرة بعد زيارته الأخيرة إلى المغرب، يمثل خطوة احترازية واستباقية مهمة في السياق الحالي، الذي يتسم بارتفاع منسوب العدوانية لدى نظام الكابرانات، ومحاولاته المستمرة لخلق أجواء متوترة في المنطقة، وبحثه عن أيّ ذريعة لتفجير الوضع الإقليمي. لقد شملت الحركة الجذرية التي أجراها ولد الغزواني إحالة عدد من كبار الضباط والقادة العسكريين إلى التقاعد، وتعيين جيل من قادة الصف الثاني الذي راكموا خبرة كافية. وتشير بروفايلات القادة العسكريين المحالين على التقاعد إلى أن هذا التعديل أتى ليجنّب المؤسسة العسكرية الموريتانية نتائج الارتباطات السامة بقائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة.
ليس من الاعتباط أبدا إحالة اللواء المختار بله شعبان والفريق عبد الله ولد أحمد عيشه إلى التقاعد، وتعيين بديلين لهما، وهما المعروفان بارتباطهما الوثيق بالمؤسسة العسكرية الجزائرية. بل هناك من يعتبرهما من أكثر الجنرالات الموريتانيين ولاء للكابرانات. لقد قام الرئيس الجزائري قبل بضعة أسابيع بزيارة إلى موريتانيا، كما أجرى اللواء الأسير السابق سعيد شنقريحة زيارة مماثلة. وقد بدا هذا السيل من الزيارات الدبلوماسية نوعا من الضغط أو محاولة الإغراء، لدفع القيادة الموريتانية للتورط في قرارات عدائية ضد المغرب، كان أبرزها وأهمها بالنسبة للكابرانات إغلاق معبر الكركرات. لكن الزيارة المفاجئة التي قام بها ولد الغزواني إلى المغرب، ولقاءه مع الملك محمد السادس نسف كل هذه المحاولات، وأعاد العلاقات المغربية الموريتانية إلى سكة الوئام والتعاون.
فشل المحاولات الدبلوماسية الجزائرية في إقناع موريتانيا بالسير على نهجها، ومسايرة رغباتها العدائية ضد المغرب، يعني أن نظام الكابرانات كان من الممكن أن يُقدم على أيّ خطوة كانت لإحراج السلطات الموريتانية، أو الضغط عليها، أو إجبارها على الاستجابة إلى هذه التوجهات. لذا، تمثل خطوة ولد الغزواني قرارا ذكيا واستراتيجيا، لأنه سيقطع الطريق على أيّ حركة أو حماقة عسكرية داخلية يمكن أن تصطف إلى جانب الطرح الجزائري، أو تستجيب لإغراءاته التي لا حدود لها. والحديث عن محاولة التلاعب باستقرار موريتانيا ليس أمرا غريبا عن النظام الجزائري، الذي يذكر التاريخ حتّى اليوم أنه تورط غير ما مرة في الإطاحة بأنظمة منتخبة وديمقراطية.
يستعين الرئيس محمد ولد الغزواني في هذه القرارات إذاً برؤية مستندة إلى تجربة سياسية طويلة، وقدرة على استشعار المخاطر الإقليمية، ولا سيّما تلك التي يقف وراءها نظام مارق مثل نظام الكابرانات. كما أن في طيات هذا القرار وعي عميق بأن الهشاشة التي يعيشها النظام الجزائري في الوقت الحالي بعد انهيار النظام السوري، وتوالي سقوط الأنظمة الإفريقية الحليفة على غرار الموزمبيق، يمكن أن تدفعه إلى ارتكاب حماقات غير محسوبة العواقب. فقبل أيام فقط تورطت فرقة عسكرية جزائرية في التوغل داخل التراب الجزائري بمنطقة تيرس زمور، فيما يشبه استعراض القوة. هذه المناورة العدائية كانت بمثابة إشارة واضحة إلى نوايا عصابة الكابرانات.
ومن المؤكد أن الرئاسة الموريتانية التي عبّرت عن التزامها بعلاقات جيدة وواعدة مع المغرب، يمكن أن تعوّل أيضا على الدعم السياسي والدبلوماسي لبلادنا، وكذا على الخبرة المميزة التي تمتلكها مؤسساتنا العسكرية والأمنية. والمغرب لم يبخل، ولن يبخل أبدا على موريتانيا بكل ما تحتاج إليه من لوجستيك أو خطط أو موارد لدعم استقرارها ونمائها، وتجنيبها نتائج الانفعال والجنون الذي أصاب العالم الآخر في الوقت الحالي. وهذا ما كان حاصلا منذ عقود طويلة عندما كانت القيادة الموريتانية تجد دائما في المغرب الحليف والداعم الذي يساعدها على الحفاظ على استقرارها في مواجهة أطماع الجوار.