الجزائر.. بين إرث الاستعمار والتحولات: النظام الجزائري سيجد نفسه في مرمى المحاسبة الدولية
الدار/ تحليل
مع كل تحول جذري في النظام العالمي، تعيد الدول حساباتها بشأن الأدوار التي لعبتها في الماضي. الجزائر، بتاريخها المعقد وعلاقاتها المتشابكة مع القوى الاستعمارية السابقة، تثير تساؤلات حول دورها كفاعل إقليمي، وعما إذا كانت قد تحولت من ضحية استعمارية إلى أداة وظيفية تخدم مصالح أجنبية.
منذ استقلالها عام 1962، أُحيطت الجزائر بخطاب قومي قوي يقوم على مقاومة الاستعمار الفرنسي ورفض الهيمنة الغربية. ومع ذلك، تُثار الشكوك حول طبيعة هذا الخطاب، إذ يُتهم النظام الجزائري باتباع سياسات تخدم استراتيجيات قوى أجنبية، لا سيما في عرقلة تقدم المغرب وإفساد جهود التعاون الإقليمي في شمال إفريقيا.
لقد شكل النزاع حول الصحراء المغربية أحد أبرز الملفات التي لعب فيها النظام الجزائري دوراً محورياً. هذا النزاع لم يكن مجرد قضية حدودية أو إقليمية، بل أصبح ورقة ضغط تستخدمها الجزائر لتعطيل أي مشروع وحدوي أو تنموي في المنطقة، الأمر الذي يثير التساؤلات: هل كان ذلك لمصلحة الجزائر أم خدمة لأجندات خارجية؟
اليوم، ومع تصاعد التغيرات في النظام العالمي، يبدو أن أدوار الدول الوظيفية قد بدأت بالتلاشي. العالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب حيث الأولوية تُمنح للدول ذات السيادة المستقلة والقادرة على اتخاذ قراراتها بعيداً عن التبعية.
في هذا السياق، تواجه الأنظمة التي بنت شرعيتها على أدوار وظيفية ضغوطاً متزايدة، وقد تجد نفسها أمام خيارين: إما الانخراط في إعادة تعريف موقعها ومصالحها الوطنية، أو مواجهة العزلة وربما المحاسبة على ماضيها.
رغم الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها الجزائر، مثل الغاز والنفط، فإن سياساتها الخارجية غالباً ما اتسمت بالتصعيد بدلاً من التعاون. في العقود الأخيرة، ركزت الجزائر على تمويل جماعات انفصالية ودعم سياسات تعيق أي مشاريع اندماجية في شمال إفريقيا، ما جعلها في حالة توتر دائم مع المغرب ودول الجوار.
ومع إعادة ترتيب القوى العالمية، من الممكن أن تجد الجزائر نفسها في مرمى المحاسبة الدولية، خاصة إذا استمر النظام في اتباع سياسات تعزز عدم الاستقرار الإقليمي.
في ظل هذه التغيرات، يجب على الجزائر التفكير بجدية في إعادة النظر في أولوياتها. المستقبل لا يمكن بناؤه على إرث النزاعات والتبعية. فالانخراط في شراكات إقليمية حقيقية مع المغرب ودول شمال إفريقيا قد يكون السبيل الوحيد لضمان الاستقرار والازدهار.
كما أن الإصلاحات الداخلية ستلعب دوراً محورياً في تعزيز مكانة الجزائر في النظام العالمي الجديد، بدءاً من تقوية مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية وصولاً إلى تبني سياسات خارجية قائمة على التعاون بدلاً من الصراع.
بين إرث الماضي وضغوط الحاضر، تقف الجزائر على مفترق طرق. الخيار اليوم ليس فقط في التخلي عن دور العميل، بل في تبني رؤية وطنية حقيقية تسعى إلى استعادة الاستقلالية السياسية والاقتصادية. النظام العالمي الجديد لن يمنح مكاناً لأولئك الذين يتمسكون بأدوار الماضي، بل سيكافئ الدول التي تتبنى سياسات مسؤولة وتخدم مصالح شعوبها وجيرانها على حد سواء.