النظام الجزائري يعيش أسوأ أيامه والارتباك سيّد الموقف
الدار/ تحليل
النظام الجزائري يعيش أسوأ أيامه. هذه الخلاصة التي استنتجها جلّ المراقبين نابعة من الارتباك العام الذي أصاب المسؤولين الجزائريين بدءاً بالرئيس عبد المجيد تبون مرورا بوزير الخارجية أحمد عطاف وصولا إلى القيادات العسكرية التي تمثل السلطة الفعلية في الجزائر. لقد فقد الجميع البوصلة ولم يعد هناك أيّ دليل مرجعي يقود التوجه العامّ للبلاد أو اختياراتها السياسية الداخلية والخارجية، أو مواقفها المعلنة. الرئيس يسبّ ويشتم بأسلوب سوقي في خطابه الأخير، ويصف مثقفا وكاتبا جزائريا مرموقا بأنه “لص مجهول الهوية والأب”، بينما يتلعثم وزير الخارجية في ندوة صحفية تحدث خلالها عن العلاقة مع فرنسا وعن المنجزات الكرتونية للحكومة الجزائرية.
هذا الوضع المرتبك يعكس في الحقيقة حالة التوتر الشديدة التي أصابت مفاصل نظام الكابرانات في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ولا سيّما بعد تنامي دعوات النشطاء الجزائريين للاحتجاج على الأوضاع التي تعيشها البلاد، وتحوُّل هاشتاغ “مانيش راضي” إلى ترند حقيقي في المواقع الجزائرية. لقد بدا ردّ النظام على هذه المطالب مرتبكا منذ البداية. لقد عمدت السلطات الجزائرية في مرحلة أولى إلى تنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد النشطاء الذين دعوا إلى هذا الاحتجاج، ثم عاد الرئيس الجزائري لاحقا إلى إعلان عفو استثنائي غير معهود في هذه الفترة من السنة، يشمل العديد من الأشخاص الذين كانوا وراء هذه الدعوات.
وبعد العفو يحاول الرئيس الجزائري من جديد أن يخطب ودّ الشعب الجزائري من خلال خطاب استثنائي أيضا دون مناسبة معروفة، يستعرض فيه إنجازات وهمية ويقدم من جديد وعودا بتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية كبرى في أفق نهاية سنة 2026. وعلى غرار تبون، يهلوس وزير الخارجية أحمد عطاف بدوره في ندوة صحفية بكلام غير مفهوم حول مستقبل العلاقات مع فرنسا وحول بعض الأرقام الغامضة المحقّقة في المجال التجاري والاقتصادي. بينما يلوذ اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة، القائد الفعلي للنظام بالصمت ويراقب الوضع من بعيد، ولسان حاله يقول: إن تبون وعطاف لم يعودا قادرين على أداء دور حائط الصدّ في مواجهة الغضب الشعبي المتنامي.
مردّ ذلك كله إلى فشل مزدوج. فشل في الممارسة والإنجاز الفعلي، وفشل أكبر في الخطاب والتواصل. وهذه هي مشكلة الأنظمة الشمولية العسكرية المبنية على أسس وأيديولوجيات متجاوزة. لكن السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا الفشل في الخطاب والممارسة في الوقت نفسه، هو انشغال النظام الجزائري بقضايا خارجة عن نطاق شؤون شعبه واهتمامه. بدلا من أن يتحدث تبون وعطاف عن الجزائر مشاكلها، وعن الجزائريين ومشكلاتهم ومعاناتهم، ينشغلان بالحديث عن الصحراء المغربية، والسيادة الوطنية على أقاليمنا الجنوبية. وما دام المسؤولون الجزائريون يُدرجون هذه القضايا في قائمة “المنجزات الوهمية” ويخصصون لها الخُطب والمداخلات فإنهم سيظلون باستمرار بعيدين عن الهموم الحقيقية للمواطنين الجزائريين المرهقين بالطوابير والأزمات المختلفة.
ولعلّ موجة الكذب والدعايات المفرطة التي غرق فيها قادة هذا النظام هذه الأيام لتجاوز إحراج الفشل وغياب الإنجاز أمام الشعب الجزائري، ستزيده عزلة وضعفا، لأنها تكشف أن الزمن الذي أهدره هذا النظام في اختلاق النزاعات الإقليمية، ولا سيّما نزاع الصحراء المغربية، انعكس انعكاسا خطرا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وينذر بالمزيد من التردّي والتراجع. وما دام هذا النظام مصرّاً على معاكسة الوحدة الترابية للمغرب لتصدير الأزمات الداخلية وتصريف الاحتقان الاجتماعي، فإنه سيظلّ منخورا بهذه الهشاشة السياسية المزمنة. إن حقيقة الأزمة التي يعانيها الشعب الجزائري مقرونة أساسا بوجود هذا النظام المافيوزي الفاشل، ومن ثمّ فإن حلّ هذه الأزمة يعتمد على التخلص منه أو تغيير نهجه العدائي.