“نحن نعترف بالدول فقط”.. هكذا كشف عطاف النزعة التخريبية لنظام الكابرانات
"نحن نعترف بالدول فقط".. هكذا كشف عطاف النزعة التخريبية لنظام الكابرانات
الدار/ تحليل
عندما سئل وزير الخارجية الجزائري مؤخرا عن موقف بلاده من النظام الجديد في سوريا أجاب قائلا: “إن الجزائر لا تعترف بالحكومات بل تعترف بالدول فقط”. ربّما لم يدرك أحمد عطاف أنه كشف من خلال هذا التصريح عن عقيدة “الدولة المارقة” التي يمثّلها، والمرتكزة أساسا على زرع القلاقل وبذور الفتن والانفصال، واستنبات الدويلات الوهمية في إفريقيا عموما وفي شمالها وفي منطقة الساحل خصوصا. عدم الاعتراف بالحكومات يعني ببساطة تفضيل خيارات التقسيم والانشقاق والانفصال بدلا من التعامل مع الواقع السياسي للدول، وتشجيع مبادرات الاستقرار والوحدة، وهذا يعني أن نظام الكابرانات مستعد على ما يبدو للاعتراف بالانقسام الحاصل في سوريا اليوم، وربّما يكون أول نظام يعترف بدويلة الأكراد الوهمية في شرق سوريا.
هل هذا ما يريده النظام العسكري في الجزائر؟ من المؤكد أنه يريد ذلك، لأن التجربة أثبتت أن عصابة الكابرانات تقتات على منطق تفتيت المفتّت وتشتيت المشتّت بسبب عقدة تاريخية ونفسية ما زالت كامنة في نفوس الجيل الأول من قادة جبهة التحرير الوطني المزعومة. لماذا يدعم النظام الجزائري عصابة البوليساريو؟ لأنه لا يعترف إلا بالدويلات، لماذا يدعم الحركات الانفصالية في شمال مالي؟ لأنه لا يعترف إلا بالكيانات المختلقة، لماذا يتحاور مع الجماعات الإرهابية في النيجر وبوركينا فاسو؟ لأنه نظام لا يؤمن إلا باستنبات المزيد من الدويلات الوهمية. والعقدة التي تقف وراء هذ النزوع ترتبط أساسا بغياب جذور الدولة الحقيقية في تاريخ الجزائر نفسها.
تنطوي هذه العقدة على مفارقة صارخة. إذا كان هذا النظام لا يعترف إلا بالدول مثلما زعم وزير خارجيته، فلماذا يرفض الاعتراف بدولة عريقة مثل المملكة المغربية كانت حدودها تمتد إلى نهر السينغال جنوبا وليبيا شرقا قبل ظهور الكيان الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي؟ الاعتراف بالدول يعني منطقيا الاعتراف بمعطيات التاريخ. على سبيل المثال هناك دول معدودة على رؤوس الأصابع ورثت حدودها الحالية، وما تزال تحافظ عليها. المغرب، ومصر والعراق والصين واليونان كلها دول تعدّ من بين الأقدم في التاريخ، التي استطاعت أن تحافظ على كيانها الموحد إلى يومنا هذا. فهل يستطيع هذا النظام المارق أن يشكك أيضا في شرعية وجود هذه الدول؟
في الحقيقة إن الشيء الوحيد الذي يعترف به هذا النظام هو تفريغ عقدة الفراغ التاريخي في محاولة احتلال مكانة لا يستحقها، ولا يمتلك مقوماتها وأسسها. زعامة شمال إفريقيا والمغرب العربي لا يمكن أن تتأتّى من توزيع بعض الرشاوى من الغاز والبترول على كيانات كرتونية مجاورة، أو من خلال العويل والصراخ في بعض المنتديات الدولية والإقليمية بدعاوى الدفاع عن تقرير المصير. الزعامة والريادة الحقيقية تستند أساسا إلى هذه الجذور التاريخية التي لا يمكن بالمناسبة شراؤها أو امتلاكها بين عشية وضحاها. المغرب ليس مسؤولا عن كون النظام الجزائري الحالي يعاني عقدة “الكيان اللقيط” الذي وجد نفسه فجأة دون أب أو أم. هذه مسألة من رواسب الاستعمار المقيت، والمغرب بعيد كل البعد عن التورط فيها.
لكن في المقابل لن يكون المغرب بعيدا أبدا عن الدفاع عن وحدته الترابية، واستقراره الأمني والسياسي في مواجهة عقيدة “النظام المارق”. وهو يدافع اليوم عن هذا الاستقرار بشتّى الوسائل السياسية والدبلوماسية والإعلامية وحتّى العسكرية عندما يتطلب الأمر ذلك. وإذا كان فشل النظام الجزائري على الصعيد الدبلوماسي والخارجي واضحا وملموسا اليوم، وسيتعمّق أكثر خلال العام الجاري، فإن مصلحة بقائه واستمراره قرينة بعودته إلى الصواب، وتطبيق جوهر هذه المقولة من خلال التوقف عن الاعتراف بالكيانات الانفصالية والاعتراف بالدول التاريخية، ولا سيّما أن في شمال الجزائر دولة عريقة اسمها “دولة القبائل”، تستحق الاعتراف.