هل يُنهي ترامب مكائد الكابرانات وتهديدهم لاستقرار المنطقة؟
هل يُنهي ترامب مكائد الكابرانات وتهديدهم لاستقرار المنطقة؟
الدار/تحليل
الزخم الذي يصاحب عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يترك أثره في الكثير من بؤر التوتر والصراعات الدائرة في العالم. بدأ هذا الأثر الإيجابي بتوصل حركة حماس وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم الأحد القادم، لينهي أكثر من 15 شهرا من الدمار والعدوان الذي طال سكان قطاع غزة وخلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. ومن المتوقع أن يشمل هذا التأثير الدبلوماسي الحاسم الحرب الدائرة في أوكرانيا مع احتمالية إطلاق مفاوضات مباشرة بين موسكو وواشنطن للتوصل إلى تسوية لهذا النزاع الذي أثر تأثيرا بالغا على الاستقرار الأمني والاقتصادي في العالم.
ولعلّ ولاية الرئيس ترامب الجديدة ستكون فترة لتصحيح الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، واستئناف ما بدأته إدارة ترامب الأولى في ولايته الرئاسية السابقة ما بين عامَي 2017 و2021. ومن أبرز القرارات التي اتخذتها هذه الإدارة هو الاعتراف الأميركي الرسمي بمغربية الصحراء، وهو قرار لم تستطع إدارة جو بايدن التراجع عنه، على الرغم من أن المغرب كان يتوقع أكثر من مجرد الاعتراف باتخاذ الخطوة التالية وافتتاح القنصلية الأميركية في الأقاليم الجنوبية. وقبل تنصيب الرئيس دونالد ترامب المرتقب في 20 يناير الجاري بدأت إرهاصات تعزيز الدينامية التي تشهدها القضية الوطنية بموقف أميركي أكثر حسما وصرامة.
هذا ما أظهره تصريح السيناتور، جو ويلسون، خلال جلسة عمومية للكونغرس أمس الأربعاء عندما أشاد بالعلاقات الطويلة والمميزة بين الولايات المتحدة والمغرب، معتبراً المملكة “شريكا رئيسيا” للولايات المتحدة. السيناتور الأميركي ذكّر بقرار بلاده التاريخي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وبالإعلان الذي وقعه ترامب خلال ولايته الأولى، محذرا في الوقت نفسه من التهديد الذي تشكله الميليشيات الإرهابية التابعة لجبهة البوليساريو الانفصالية والداعمين لها، ومخاطر ذلك على الاستقرار في منطقة غرب إفريقيا. وقبل ذلك بأيام قليلة أعلن ماركو روبيو وزير خارجية ترامب المقبل أن الشراكة مع المغرب ستزدهر لأنها “نموذج جيد لاستثماراتنا المقبلة في أفريقيا” على حدّ قوله. وأضاف روبيو إن على الولايات المتحدة الأميركية إعطاء المثل بالمملكة المغربية، لأنها “بلد يتيح إمكانات جيدة، ونموذجا جيدا في محاربة الإرهاب وتعزيز الفرص الاستثمارية”.
يخرج هذان التصريحان في الحقيقة من مصدر واحد هو هذا الاتجاه الأميركي المتصاعد نحو الحلحلة النهائية للنزاع المفتعل في الصحراء، وإجبار الجزائر على العودة إلى طاولة التفاوض من أجل التسوية النهائية. وإذا كانت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن قد فضلت الحفاظ على الثوابت دون التوجه نحو خطوات عملية أكثر لتعزيز الموقف الداعم لسيادة المغرب على صحرائه، فمن المتوقع أن تتخذ إدارة ترامب المستندة إلى جرأته المعهودة قرارات جذرية لإنهاء هذا النزاع المفتعل الذي طال أكثر من اللازم، بعد أن استغله النظام الجزائري على مدار عقود لاستدامة حالة التوتر في المنطقة التي تعدّه الولايات المتحدة اليوم منطقة استراتيجية وواعدة.
هناك مؤشرات عديدة إذاً تؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تتأخر طويلا في الدفع نحو التسوية النهائية بناء على السيادة المغربية. أولا ترغب الولايات المتحدة في تعزيز حضورها الأمني في منطقة غرب إفريقيا للحدّ من التمدد الروسي في الكثير من الدول، ولتعويض التراجع الفرنسي الذي قد يهدد مصالح واشنطن. وثانيا تحتاج الولايات المتحدة إلى المغرب الموحّد والمستقر في إطار المنافسة مع الصين التي تنوي تعزيز استثماراتها في المغرب، واغتنام الفرص التي تتيحها اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية. ونظرا إلى العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين فإن إدارة ترامب لا تريد أن تخسر المغرب كحليف استراتيجي يحتل موقعا جغرافيا مميزا. وثالثا هناك اعتبارات أخرى ذاتية تتعلق بثبات الاختيارات الاستراتيجية الكبرى لإدارة ترامب. لذا؛ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتراجع هذه الإدارة عن قرارها السابق، بل من المؤكد أنها ستعمل على تعزيزه بقرارات أكثر حسما ومنها افتتاح قنصلية أو تمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية.