أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

هل انتصرت حركة حماس حقاً في معركة طوفان الأقصى؟

هل انتصرت حركة حماس حقاً في معركة طوفان الأقصى؟

الدار/ تحليل

أكثر من 15 شهراً من العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي أعقب هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023. هذه العملية العسكرية الخاطفة التي نفذتها حركة حماس أفقدت إسرائيل توازنها في اليوم الأول، واعتُبرت أكبر اختراق أمني تتعرض له، وأدّت إلى صدمة حقيقية في المجتمع الإسرائيلي. سرعان ما استرجع الجيش الإسرائيلي توازنه وبدأ عدوانه الذي أدى إلى تدمير 90 في المائة من مباني قطاع غزة واستشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني جلّهم من النساء والأطفال وفقدان أكثر من 10 آلاف آخرين، وإصابة أكثر من 110 آلاف شخص، علاوة على نزوح ما يناهز مليونَي مدني اضطروا إلى ترك منازلهم.
حصيلة ثقيلة بكل ما تعنيه من آلام ومعاناة وإعاقات ودموع وحسرات على الشهداء الذين ارتقوا خلال هذه الشهور الطويلة من الحرب والقصف الإسرائيلي. واليوم بعد أن توصلت إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ برعاية أميركية وقطرية ومصرية يوم الأحد القادم، بدأ النقاش في الداخل الفلسطيني والمحيط العربي حول الثمن الباهظ الذي دفعه سكان القطاع بعد طوفان الأقصى، وتداعياته على مستقبل القضية الفلسطينية، ومسؤولية حركة حماس عمّا جرى منذ 7 أكتوبر 2023. وبينما كان العديد من المراقبين يتجنّب مناقشة هذه المسؤولية في أثناء استمرار الحرب، بدعوى أن الوقت غير مناسب يعود الفلسطينيون اليوم إلى طرح هذا الجدل وبصراحة أكبر، ولا سيّما في مواقع التواصل الاجتماعي.
على سبيل المثال بعد إعلان وزارة العدل الإسرائيلية قائمة الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم في المرحلة الأولى، شعر الكثير من الفلسطينيين بالصدمة بسبب تضمنّها لأسماء أشخاص تم اعتقال معظمهم خلال العدوان الأخير، أي أنهم ليسوا من المعتقلين المسجونين قبل طوفان الأقصى مثلما تعهّدت بذلك حركة حماس، في إطار خطة تبييض السجون. كما أن الصدمة الأخرى التي سبقت ذلك تتعلق بأن مضمون اتفاق وقف إطلاق النار يتطابق مع الصفقة التي كانت مقدَّمة للطرفين في شهر ماي الماضي، وهذا ما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل ما إذا كانت حماس قد قبلت اليوم ما رفضته قبل شهور، وهل كان من الممكن أن تحقن دماء الآلاف من الفلسطينيين لو وافقت حينذاك على هذه الخطة.
بعبارة أوضح يثير هذا النقاش المتنامي داخل مواقع التواصل الاجتماعي المعنى الحقيقي لفكرة الانتصار. وبينما يربط البعض معنى الانتصار بالقدرة على الصمود في مواجهة آلة عسكرية جهنمية كتلك التي تمتلكها إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ومعظم القوى الغربية، يرى آخرون أن الانتصار الحقيقي هو الذي ينتزع مكتسبات جديدة على مستوى الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني سواء تعلّق الأمر بتحرير الأرض أو الأسرى أو تفكيك المستوطنات أو إعادة اللاجئين أو انتزاع الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية المستقلة. والظاهر ألّا شيء من ذلك قد تحقق حتى الآن. بل إن منتقدي حركة حماس يؤكدون أنها أخّرت مسيرة التحرير الفلسطينية عقودا أخرى إلى الوراء، بسبب الدمار الذي لحق قطاع غزة، واليأس من خيار المقاومة المسلحة الذي خلّفته هذه المغامرة.
وفي هذا السياق من المتوقع أن يخرج العديد من قادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح عن صمتهم الذي استمر طوال فترة العدوان من أجل تحرير الكلمة الفلسطينية في نقاش عمومي حول مطالب الشعب الفلسطيني وكيفية انتزاع حقوقه في المستقبل. وإذا كان سكان قطاع غزة قد لزموا أيضا هذا الصمت لضمان وحدة الصف في مواجهة العدوان الإسرائيلي ودعم الجهود القتالية للمقاومة الفلسطينية، فإن ذلك لا يعني أبدا أن قرار حماس بخوض معركة طوفان الأقصى وما تلاه من حرب مدمرة سيظل دون محاسبة أو انتقاد في الأوساط الغزّية. فعلى الرغم من سيطرة الحركة على مفاصل السلطة في القطاع إلا أن فئات واسعة من الفلسطينيين الذين لحقهم ضرر بالغ بسبب هذه الحرب، بدؤوا يرفعون أصواتهم بالاحتجاج للتعبير عن رفضهم لهذا الخيار غير المدروس.
وفي المقابل هناك من يرى أن المقاومة انتصرت وخرجت من هذه الحرب برأس مرفوعة، لأنها صمدت في وجه مخطط إسرائيل التي كانت تنوي استئصال حركة حماس والفصائل الفلسطينية من القطاع، وتهجير سكانه إلى مصر، والعودة إلى فرض واقع الاحتلال مع استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين منذ 7 أكتوبر 2023. وبما أن الجيش الإسرائيلي فشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية التي ظلت تُكيل له الضربات حتى الأيام القليلة الماضية، ولم ينجح في استعادة أسراه بالقوة، وقرّر أخيرا الانسحاب الكامل تدريجيا من قطاع غزة، فإن هذا الفريق يصف ما حدث بالانتصار، ولا سيّما أن الأمر يتعلق بحركة مسلحة في مواجهة جيش نظامي مدجج بأحدث الأسلحة والتقنيات.
كما يعتقد أنصار فكرة الانتصار أن عملية طوفان الأقصى كشفت هشاشة الكيان الإسرائيلي، وفضحت عجزه عن مواجهة محيطه سواء الفلسطيني أو العربي، لولا الدعم الأميركي والغربي المكثف. ومن هذا المنطلق يظن هؤلاء أن تداعيات هذا الطوفان على مستقبل القضية الفلسطينية ستكون إيجابية، لأنها أعادت إحياءها من جديد، وخلقت زخما من التعاطف الدولي والإنساني وكشفت أيضا جرائم إسرائيل وأضرّت كثيرا بصورتها وسمعتها الدولية. وهذه كلها مكاسب لم يكن من الممكن تحقيقها حتّى بفضل الحملات الإعلامية المكثفة التي تدوم سنوات طويلة وتُنفق عليها المليارات. ومن ثمّ يرجح هؤلاء أن المجتمع الدولي لن يتأخر كثيرا في البحث عن سبل التوصل إلى تسوية نهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين.
إنّ الاختلاف بين أنصار الانتصار أو أنصار الهزيمة منطقي جدا، لكنه يظل بعيدا تمام البعد عن استيعاب الألم الكبير الذي يعيشه اليوم معظم سكان قطاع غزة بسبب شهور طويلة من القصف والتجويع والرعب. وهذا يعني أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تصف حقيقة ما جرى بعد طوفان الأقصى، وتحدد المضمون الدقيق للوقائع التي عاشها القطاع خلال هذه الحرب هم المدنيون الفلسطينيون في غزة. هُم وحدهم القادرون على وصف ما جرى بالانتصار أو الهزيمة. وقد حان الوقت كي يعبّروا عن مواقفهم وآرائهم تّجاه خيارات المقاومة وتوجهاتها المثيرة للجدل في بعض الأحيان.

زر الذهاب إلى الأعلى