![](https://aldar.ma/wp-content/uploads/2025/02/cf19477e-9678-4aeb-925f-1cc7e51bf007-780x470.jpeg)
بقلم: سعادة السفير لي تشانغلين، سفير الصين بالمغرب
المغرب بلد ساحر يتمتع بجمال طبيعي رائع وتراث ثقافي غني، وأصبح وجهة سياحية شهيرة في السنوات الأخيرة. في العام الماضي، استقبل المغرب عددًا قياسيًا من السياح بلغ 17.4 مليون سائح، وظل يشغل المرتبة الأولى كأكثر وجهة سياحية زيارة في إفريقيا لعدة سنوات. وتتميز المدائن المغربية بمزيج من الحداثة والتقاليد، وهي واحدة من أكثر الأماكن التي يزورُها السياح. هذه المدائن ليست مجرد رموز لتاريخ وثقافة البلاد، بل هي أيضًا المكان المثالي للمسافرين الذين يرغبون في اكتشاف نمط الحياة والهندسة المعمارية التقليدية للمغاربة. وغالبًا ما يُقال: “لم تزُر المغرب إذا لم تزر المدائن”.
المدينة العتيقة تُشير عمومًا إلى المدينة العربية القديمة المحاطة بالأسوار، والتي تتميز بشبكة من الأزقة الضيقة، والرياضات، وكثافة الورشات الحرفية، مما يجعلها مكانًا مليئًا بالتاريخ والقصص والشعبية. عند دخولك إلى المدينة العتيقة، يشعر الزائر وكأنه يسافر عبر الزمن من العصر الحديث إلى العصور الوسطى، وكأنه يشاهد لوحة لمدينة عربية من العصور الوسطى. داخل المدينة العتيقة، يلفت انتباهك أولاً الأسوار المهيبة المصنوعة من الصخور الصفراء، التي تشكل حاجزًا واضحًا بين المدينة القديمة والجديدة. نعلم أن المدائن في تسع مدن مغربية، بما في ذلك فاس ومراكش والرباط، تم تصنيفها ضمن التراث العالمي لليونسكو، وأن الحكومة المغربية تولي اهتمامًا كبيرًا لحمايتها وصيانتها. ومع ذلك، لم تتغير مساحاتها أو بنيتها، بل حافظت على حيويتها التي تجمع بين التقاليد والحداثة. أصبحت المدينة العتيقة الآن مكانًا لا بد من زيارته للسياح.
شرح لي “حميد”، وهو مرشد سياحي محترف، أن المدينة العتيقة يجب أن تحتوي على خمسة عناصر أساسية: المسجد، السوق، النافورة، الحمام والمخبزة. أزقة المدينة العتيقة مليئة، ومن الصعب الخروج منها دون مرشد محلي. وسائل النقل الرئيسية هي البغال والخيول والحمير أو العربات. جانبا الأزقة مملوءة بأنواع مختلفة من المحلات التجارية، التي تبدو مزدحمة، لكنها في الواقع مقسمة إلى مناطق حسب نوع البضائع مثل منطقة التوابل، منطقة الجلود، منطقة الفضة، منطقة الأقمشة، منطقة المصابيح، إلخ. مجموعة واسعة من البضائع توفر للسياح العديد من الخيارات للتسوق.
البضائع في المدائن المختلفة قد تكون متشابهة إلى حد ما، لكن هناك بعض الأشياء التي تميز بعضها، مثل الفسيفساء الزرقاء المصنوعة من الخزف والمنتجات الجلدية الملونة في فاس، التي تُعد أكبر مدينة عتيقة؛ الفخار، والمنتجات الجلدية والحديدية، والمجوهرات، والسجاد في ساحة جامع الفناء في مراكش؛ الجلابيات في حي الحبوس بالدار البيضاء، بالإضافة إلى علب المجوهرات أو المناديل، وأطباق خشبية من خشب الأرز في مدينة الرباط. غالبًا ما يدهش السياح الصينيون بالأعمال الفنية المصنوعة يدويًا من قبل الحرفيين ويشترون العديد منها كهديا لأصدقائهم وعائلاتهم. في المدينة العتيقة، سترى أيضًا نساء أمازيغيات يرتدين أزياء تقليدية، ورؤوسهن مزينة بالخرز الملون، يبعن الخضروات والفواكه والأعشاب على جانب الطريق، بالإضافة إلى الجبن، حيث ستشتم رائحة قوية للجبن المصنوع من حليب الماعز. كل ذلك يشكل مشهدًا فريدًا داخل المدينة العتيقة.
غالبًا ما أرافق أصدقائي الصينيين إلى المدائن للتسوق، وعلى الرغم من ذلك لم أكن ألاحظ كثيرًا الهندسة المعمارية التقليدية للحي. لكن بعد ذلك، دُعِيت من قبل رئيس المجلس البلدي للرباط، السيد عبد العزيز الدرويش، ووزير المالية السابق، فتح الله اعلالو، ورجل الأعمال، عبد العلي كركشو، إلى منزلهم في المدينة العتيقة، حيث تناولت طعام الكسكس الأصيل، واستمتعت بسماع قصص حول منزلهم، مما أثار اهتمامي الكبير في العمارة التقليدية للمدينة العتيقة. وفقًا لملاحظاتي، لا تتجاوز المنازل التقليدية الثلاثة طوابق، ولها طابع بسيط جدًا مع قلة النوافذ، والأبواب هي الرابط الوحيد تقريبًا بالعالم الخارجي. الأبواب صغيرة ولكنها مزخرفة بشكل رائع، وغالبًا ما تكون مزينة بنقوش خشبية وطلاء مزخرف. كل باب يتكون من لوحين: اللوح الخارجي أكبر، بينما اللوح الداخلي أصغر. يتم فتح اللوح الداخلي فقط للدخول والخروج اليومي، في حين يستخدم اللوح الخارجي لنقل الأشياء الكبيرة أو لاستقبال الضيوف. توجد جرسين على الباب، واحدة صغيرة يتم ضربها أولاً، وإذا لم يكن هناك رد يتم ضرب الجرس الكبير. هذه المنازل التقليدية عادة ما تكون مبنية على شكل فناء مفتوح في وسطه نافورة من الرخام أو مغطاة بالزليج. ويمكن أيضًا العثور على مجموعة متنوعة من النباتات العطرية والزينة، وتحيط بها العديد من الغرف، حيث توفر السطح إطلالة بانورامية على المدينة العتيقة.
قال لي السيد عبد العلي كركشو أن منزله يبلغ من العمر 280 عامًا، وأن والديه حاولوا بيعه في الماضي، لكنهم احتفظوا به بناءً على طلبه. قام بترميم المنزل لمدة أربع سنوات طويلة دون المساس بالبنية الأصلية. يعيش هنا طوال الأسبوع ويقضي عطلة نهاية الأسبوع في شقة تقع خارج المدينة العتيقة. ولكن عندما يزور ضيوف مهمون، يحرص على استقبالهم في منزله في المدينة العتيقة، الذي يشعر بالفخر به. كما شارك معي السيد عبد العزيز الدرويش ذكرياته من الطفولة، حيث كان يذهب إلى المدرسة يوميًا عبر الأزقة الضيقة للمدينة العتيقة، وعندما يعود من المدرسة مساءً، كان يشعر برائحة الطعام من بيوت الأسر الأخرى، مما يجعله يتعجل للعودة إلى منزله، وقد تذكرت نفس المشهد عندما كنت في المدرسة. من جانبه، قال لي السيد فتح الله اعلالو أن الحي السكني في المدينة العتيقة هادئ ومريح مقارنة بأسواقها الصاخبة. يمتلك منزلًا صغيرًا يستخدمه كاستوديو، ويستلهم منه الكثير من أفكاره لكتابة كتبه مثل “الصين ونحن” و”الصين والفضاء العربي الإفريقي”.
إضافة إلى ذلك، ما جذب انتباهي بشكل خاص هي اللوحات التي تحمل كلمة “رياض” أو “دار” المنتشرة في جميع أنحاء المدينة العتيقة. هذه هي المنازل القديمة التي تم تحويلها إلى بيوت ضيافة، ويمكن حجزها من خلال المعلومات الموجودة على اللوحات. هذه الإقامات تتميز بالديكور المغربي، ولكن مع راحة عصرية وحتى مسبح. ورغم الأسعار المرتفعة بعض الشيء، فإن هذه الأماكن تحظى بشعبية كبيرة بين السياح الأوروبيين والأمريكيين، الذين يستطيعون التجول في الحي ويعيشون تجربة الحياة المحلية. بفضل الإعفاء من التأشيرة للمواطنين الصينيين، ازداد عدد السياح الصينيين في المغرب، ولا تزال المدينة العتيقة مكانًا لا يُفَوت. في عام 2018، ذهبت فرقة تصوير من تلفزيون الصين المركزي لتصوير وثائقي بعنوان “الوطن الحلم، الحزام والطريق” في المغرب، والذي تضمن سبع حلقات، اثنان منها خصصا للمدينة العتيقة في الدار البيضاء وفاس. غالبًا ما أشارك هذا الوثائقي مع أصدقائي المغاربة، الذين يعبرون عن امتنانهم لجهود الصين في الترويج لبلدهم، ويتطلعون بحماس لزيارة الصينيين للمغرب في كأس العالم 2030.
في فبراير 2024، نظم المركز الثقافي الصيني في الرباط بالتعاون مع البلدية “كرنفال السنة الصينية الجديدة” في المدينة العتيقة بالرباط، أمام منطقة “أودايا”، بدعم من الفنانين من مقاطعات شانشي وسيتشوان. تم نصب مسرح كبير في الساحة وسط المدينة العتيقة، حيث قدم الفنانون الصينيون والمغاربة عروضًا معًا، مما أثار إعجاب الجمهور بشكل كبير. لا يزال بعض أصدقائنا يتحدثون عن هذا الحدث اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للإحصائيات الأخيرة، شهد عدد السياح الصينيين إلى المغرب في 2024 زيادة كبيرة، حيث وصل إلى أكثر من 100,000 سائح (180,000 في 2019). أشارت قناة 2M إلى أن السياحة المغربية ستشهد “لحظة صينية” غير مسبوقة. قبيل السنة الصينية الجديدة، افتتحت شركة طيران “شرقي الصين” خطًا جديدًا بين شنغهاي وكازابلانكا (عبر مرسيليا)، بينما استأنفت “الخطوط الملكية المغربية” خط الطيران بين كازابلانكا وبكين، مما أدى إلى تحسن كبير في النقل الجوي بين الصين والمغرب. تم تسجيل نسبة إشغال عالية للرحلات خلال عطلة الربيع، وأصبح السفر “يجب أن يتم” حقيقة واقعة.