حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟

بقلم: ياسين المصلوحي
شكل قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه خلال مؤتمره الأخير ووضع سلاحه ووقف العمل المسلح في مواجهة تركيا حدثا مفاجئا وبارزا على الساحة الدولية كما أنه سيعيد توزيع الأدوار على المنطقة الحدودية بين تركيا، سوريا، العراق وإيران على اعتبار علاقة هذا الحزب السياسي- الحركة المسلحة مع مجموعة من الحركات المشابهة رغم تغليفها في طابع سياسي في المنطقة سالفة الذكر.
وكان حزب العمال الكردستاني قد تأسس سنة 1978 على يد مجموعة من الطلاب اليساريين الماركسيين في تركيا بطريقة سرية وبدأ في استقطاب الشباب ليبلغ ذروته في تسعينيات القرن الماضي من حيث عدد المنخرطين والقوة التنظيمية والعسكرية كما أنه كان يشكل علامة فارقة في حركات التحرر العالمية حيث كان يدعو لانفصال إقليم كردستان ككل عن كل الدول التي تتشارك في الحدود من خلال اقتطاع جزء جغرافي من العراق وسوريا وتركيا وإيران وتأسيس دولة كردية بحكومة مستقلة ذات سيادة.
إلا أن تاريخ الأكراد في مساعيهم للانفصال لم تكن مرتبطة بتأسيس PKK فقط، وإنما هي ضاربة في التاريخ على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من خلال المفاوضات مع كمال أتاتورك، وما تلاها من تمردات عنيفة، ثم فيما بعد من خلال النزاع المسلح مع العراق خلال ستينيات القرن العشرين، فترت قليلا بعدها المواجهات لتستعر من جديد سنة 1975 بين الطرفين. لينتقل فيما بعد الصراع إلى تركيا سنوات الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت المواجهات أكثر دموية بسبب تقوية حزب العمال الكردستاني والدعم المالي والعسكري الذي أصبح يتلقاه.
وبالغوص في الأسباب الحقيقية وراء اتخاذ الحزب قرار حل نفسه بتوجيه من مؤسسه عبد الله أوجلان وهو وراء القضبان، نجد عدة مسببات أهمها العزلة الجيوسياسية التي أصبح يعاني منها الحزب، بعد تقلص عدد حلفائه بالمنطقة مقارنة مع توسع عدد حلفاء تركيا، خصوصا بعد حملة الحرب على الإرهاب ومواجهة كل الحركات المسلحة. كما أن أربعة عقود من المواجهة المسلحة مع الدولة دون تحقيق حلم تكوين دولة كردية مستقلة تعتبر مدة طويلة تستوجب مراجعة للمنهج المستعمل من طرف الحزب. وكأي تنظيم حي يقوم بتقييم مواقفه ومراجعة أفكاره، فقد قام قياديو الحزب بمراجعة عقيدة الحزب والانتقال من فكرة المواجهة المسلحة إلى الانخراط السياسي لتحقيق الأهداف. دون نسيان تغير البنية المجتمعية للأكراد، الذين أصبحوا يبحثون عن ظروف عيش كريمة ومتطورة بعيدا عن زاوية الهوية المتزمتة، فلا خير لهم في دولة مستقلة قائمة على الهوية الكردية لا تتوفر فيها سبل الرفاهية والعيش الرغيد وتوفر الحقوق السياسية والثقافية والمدنية.
بالنظر في تاريخ حركات التحرر التي انتقلت من مواجهة المستعمر إلى الدعوة للانفصال وبلقنة القطع الجغرافية على أساس عرقي أو مذهبي داخل الدولة الواحدة، نجد أن هذا الحركات في طريقها للانقراض، إما عن طريق منحها بعض الحقوق والحرية في التنظيم كما حدث مع كيبيك الكندية وكورسيكا الفرنسية، أو عن طريق الاندثار التام كما وقع مع المنظمة العنيفة إيطا الباسكية في إقليم الباسك الاسباني، ينضاف إليهم اليوم حزب العمال الكردستاني الذي سيؤثر حله على حركات الأكراد في المنطقة ككل وسيدفع بها إلى إيجاد حلول سياسية مع الأنظمة الحاكمة خصوصا في سوريا والعراق.
ويبقى أهم تحد أمام السلطات التركية، هو كيفية إدماج هذه الفئة من الشعب في المجتمع ومدى قدرتهم على الانصهار والتماهي مع منظومة تؤمن بالتعدد وتقبل الاختلافات العرقية والمذهبية.
لا يمكن إغفال مؤشر مهم هو تضييق الخناق على ما تبقى من حركات المرتزقة الانفصاليين خصوصا جبهة البوليزاريو التي تعد شريكا استراتيجيا للحزب الكردي، وكانت تتلقى منه الدعم المالي والعسكري والتدريبي لعناصرهم. وبحل الحزب تجد الجبهة الانفصالية نفسها معزولة أكثر مما كانت عليه وفي مواجهة مصير محتوم يقضي بزوالها، كيف لا وهي الجبهة القائمة على قضية خاسرة لا شرعية لها.
فبعد فقدان المرتزقة لدعم مليشيات حزب الله الشيعي، وانشغال إيران بمشاكلها الإقليمية، وحل الحزب الكردي، وتراجع حركات الانفصال في العالم لصالح موجات الاستقرار ودعم الدول من أجل تثبيت الاستقرار في السياقات الجيوسياسية الإقليمية، فإن مسألة تفكك وزوال جبهة البوليزاريو هي مسألة وقت ليس إلا.