الصين.. من “مصنع العالم” إلى عقل العالم: هل تشهد بكين قمة ترامب-شي؟

الدار/ تحليل
في مشهد يعكس التحول العميق في موازين القوى العالمية، لم يعد الطريق نحو صياغة النظام الدولي يمر فقط عبر واشنطن أو بروكسيل، بل أصبح من الضروري العبور عبر بكين، بوصفها أحد المراكز الحاسمة لصنع القرار العالمي. هذا ما تؤكده المؤشرات المتتالية، والتي كان أحدثها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداده لزيارة الصين ولقاء الرئيس شي جين بينغ.
التصريح لم يكن مجرد وعد، بل يعكس وعياً عميقاً بأن الصين لم تعد خصماً تجارياً أو منافساً اقتصادياً فحسب، بل أصبحت طرفاً مركزياً في معادلات الأمن، المناخ، التكنولوجيا، وحتى إعادة تشكيل تحالفات القوة.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، شقّت الصين طريقها لتتحول من مجرد ورشة إنتاج ضخمة للعالم إلى شريك لا غنى عنه في السياسة والاقتصاد الدوليين. وفي ظل الصعود الصيني المتسارع في قطاعات الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والدبلوماسية الاقتصادية، باتت بكين تفرض رؤيتها البديلة للنظام الدولي، عبر مبادرات مثل “الحزام والطريق” ومنتديات التعاون جنوب-جنوب.
وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد حاولت احتواء هذا الصعود عبر الحرب التجارية خلال ولاية ترامب الأولى، فإنّ المواقف الجديدة توحي بأنّ واشنطن – أو على الأقل بعض تياراتها – باتت ترى ضرورة التفاوض والتفاهم، بدلاً من المواجهة المفتوحة.
التغير في الخطاب الأمريكي إزاء بكين لا ينفصل عن التحولات العالمية الكبرى، مثل تداعي النظام الأحادي القطبية، والصراع المستمر في أوكرانيا، وازدياد التوترات في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى تعثر التفاهمات الاستراتيجية بين واشنطن وحلفائها التقليديين.
في هذا السياق، تبدو الصين أكثر استعداداً لتولي دور صانع التوازن، لا سيما بعد نجاحاتها في تقريب وجهات النظر بين خصوم إقليميين مثل السعودية وإيران، بوساطة مباشرة أدهشت الغرب، وأكدت أن بكين باتت لاعباً دبلوماسياً نشطاً، لا مجرد مراقب من بعيد.
رغم التوترات السابقة التي وسمت علاقة ترامب بالصين، لا سيما خلال سنوات الحرب التجارية التي شملت عقوبات جمركية غير مسبوقة، فإن استعداد الرئيس الجمهوري لزيارة بكين يكشف عن براغماتية أمريكية جديدة، تدرك أن كلفة تجاهل الصين باتت أعلى من كلفة التفاهم معها.
فالصين اليوم شريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة، ورافعة أساسية في ملفّات المناخ والطاقة، وركيزة لا يمكن تجاوزها في حلحلة أزمات كوريا الشمالية، تايوان، وحتى استقرار الأسواق العالمية.
إذا كان القرن العشرون قد شهد تفوق الغرب بفضل التكنولوجيا والتحالفات العسكرية، فإن القرن الحادي والعشرين يبدو مرشحًا ليكون ساحة تنافس مركّبة، تقودها القوى التي تجمع بين الابتكار الاقتصادي، القوة الجيوسياسية، والمرونة الدبلوماسية. وفي هذا المشهد، تبرز الصين كقوة شاملة، تفرض على خصومها وحتى منافسيها أن يأتوا إليها، لا العكس.
من هنا، فإن كل رئيس أمريكي يدرك أن بناء رؤية للمستقبل يتطلب المرور أولاً عبر بوابة بكين، والجلوس مع الرئيس شي جين بينغ.