أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

من “قافلة الصمود” إلى قافلة العداء أو حين يتحول العمل الإنساني إلى أداة دعائية.

من "قافلة الصمود" إلى قافلة العداء أو حين يتحول العمل الإنساني إلى أداة دعائية.

إن ما يجري اليوم من محاولات لتسييس العمل الإنساني، والتوظيف الفج للقضية الفلسطينية في خصومات مغاربية، يعكس ما حذر منه أحد كبار منظري العلاقات الدولية “هانز مورغنتاو” بقوله: “حين تفقد الأنظمة شرعيتها الداخلية، تلجأ إلى الخارج كمتنفس لصراعاتها الذاتية”. غير أن المغرب بخياره الديمقراطي ومشاريعه المهيكلة يراهن على المستقبل لا على الشعارات. ويواجه التضليل بالبصيرة والدعاية بالحكمة والعنف الرمزي بالمشروعية الدولية.
لقد حاولت الجزائر جاهدتا تقزيم دور المغرب الإقليمي والدولي مند فجر إسترجاع الصحراء المغربية بخلقها لجبهة وهمية والدفع بها لمناوشة المغرب ومشاكسته ، حول سيادته على صحرائه التي تشهد بها الجغرافية قبل التاريخ ،ولم تقف ولم تيأس من لؤمها مستغلة الخونة والمسترزقين وضعاف النفوس، ممن لفظتهم شعوبهم وأوطانهم ،لتسويق الوهم باسم تقرير المصير ودعم الإنفصال ، والتاريخ القريب يشهد أن الكيان السياسي الذي يسمى اليوم الجزائر لم يتشكل كدولة مستقلة إلا حديثا، وكان قبل ذلك خاضعا للاستعمار الفرنسي طيلة 132 عاما. كيان يخرج اليوم بأكدوبة جديدة تحت مسمى “العمل الإنساني”، لكنها في جوهرها لا تمت إلى الإنسانية بصلة.

هذه المبادرة التي عنونتها الجزائر ب”قافلة الصمود”، والتي أطلق نظامها وجهتها ظاهريا إلى غزة، بينما في حقيقتها قافلة مشحونة بالعداء والكراهية للمغرب، تستغل معاناة الشعب الفلسطيني لتمرير أجندات إنفصالية تحت قناع المساعدات.
إنها حالة تحول فيها الفعل الإنساني، إلى وسيلة دعائية بئيسة، قوامها أعلام بلا خرائط مكتملة، وشعارات إنفصال مقنعة بشعور زائف بالتضامن.
قافلة لم تحمل أدوية ولا أغذية، بل عبأت وجوها مأجورة وشعارات مشروخة، وخرقت بشكل سافر قواعد العمل الإنساني، وروح الأخوة التي يفترض أن تسود بين شعوب المغرب الكبير.
وما يثير الإستغراب وللأسف ، هو إستدراج أطراف تونسية إلى هذا المسرح السياسي الهزيل، في وقت تعاني فيه تونس من إنسداد أفق القرار الوطني، وتراجع المواقف السيادية، مما جعلها ضحية إضافية لحسابات نظام جزائري مأزوم، يبحث عن نصر وهمي يعوض به عزلته الإقليمية،فالدولة التي تظل حبيسة عقدة الشرعية، تعيد توجيه غضبها نحو الخارج، لتبرير عجزها في الداخل.
لكننا نحن المغاربة، ومن معنا ممن يقيسون الأمور بميزان العقل والحكمة ، إستوعبنا جميعا رسائل الأعداء، وقرءنا ما وراء الشعارات،ولم نعد نقبل أبدا المس والاعتداء على رمز وحدتنا الوطنية وسيادتنا ، الصحراء المغربية، فأي مساس بهذه الوحدة ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو إعتداء على وجدان شعب بأكمله، و على ذاكرته، وعلى تاريخه الممتد من جبال الريف إلى تخوم الصحراء .

إنه لمن المثير للسخرية،”ياحسرة “، كما يقول أشقاؤنا المصريون ، أن من يرفع شعارات فتح الحدود والتكامل المغاربي، هو نفسه من يغلقها ويقطع أنابيب الغاز ويغذي الكراهية بين أبناء الرحم الواحد. فإذا كان النظام الجزائري يرى في الخريطة المغربية نقصا، فإنه إنما يكشف عن نقص في شرعيته التاريخية، وفقر في رؤيته المستقبلية.
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات البائسة، يواصل المغرب شق طريقه بثبات نحو التنمية، والعدالة الإجتماعية، والحداثة المسؤولة،في وقت لازال فيه نظام الجزائر غارقا في وهمه الانفصالي، مستنزفا لمقدرات شعبه في صراعات لا طائل من ورائها.
إنها معركة قيم بامتياز، بين من يبني، ومن يخرب، بين من يزرع الأمل، ومن يعيش على المكر والخداع باسم “الإنسانية”.

ختاما، الحق يعلى ولا يعلى عليه ، والتاريخ لا يرحم ، والمغرب بملكه وشعبه، لن يستدرج إلى المهاترات، بل يرد بالمواقف و بالمؤسسات، وبالثبات على المبادئ،إنتهى الكلام.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى