فن وثقافة

فاروق الفيشاوي.. الرجل الذي واجه مرض السرطان

في 3 أكتوبر 2018 افتتحت الدورة الـ34 من مهرجان الإسكندرية السينمائي، كان متوقعا للحفل أن يمر بشكل عادي، عرض لفيلم وافتتاح المهرجان وتكريمات للفنانين، الموسيقار عمر خيرت والفنان فاروق الفيشاوي. 

لكن الفيشاوي ألقى كلمة طغت على فعاليات ذلك الحدث العادي، إذ أعلن عن إصابته بمرض السرطان، وعن نيته هزيمة المرض "بالعزيمة والإصرار سأنتصر على هذا المرض" حسب قوله مبتسما، خاصة أنه أعلن عن مرضه بعد نيل طبيبين -أحدهما ياباني والآخر أميركي- جائزة نوبل للطب بعد توصلهما لعلاج مرض السرطان.

السكينة لتقبل الأشياء
خلال الساعات التالية، كانت أخبار مرض الفنان فاروق الفيشاوي ضمن قوائم الأعلى قراءة على مواقع الأخبار المصرية.

كان الفيشاوي مبتسما متحليا بالقوة خلال حديثه عن أزمته الصحية في البرامج التي حل ضيفا عليها، متمسكا بالأمل في نجاح العلاج، وفي الدواء الجديد الذي طوره الطبيبان الحاصلان على نوبل حينها.

واعتبر هذا المرض اللعين مجرد صداع سيتعامل معه كذلك، هكذا ببساطة عبر عن الأزمة المخيفة التي يعرفها كل من عانى السرطان.

الشجاعة لتغيير الأشياء والتعبير عنها
الخفة والتقبل اللذان تعامل بهما الفيشاوي مع أزمته الأخيرة ليسا طارئين عليه، إذ يبدو أنه يحمل قدرا كبيرا من التقبل والتصالح مع أزمات شتى في حياته، وقدرا من الشجاعة للاعتراف بأخطائه والتراجع عنها.

وفي عام 2015 حل ضيفا على الإعلامية رغدة شلهوب في برنامجها "100 سؤال"، وحكى قصته مع المخدرات "الهيروين وبعض المخدرات الأفيونية" التي بدأ تعاطيها وإدمانها منذ أكثر من 20 عاما، وكيف مر بلحظة التنوير بسبب ابنه الأكبر ليتوقف عن التعاطي ويخضع لعلاج الإدمان.

لم تكن شجاعته فقط في الاعتراف بأخطائه بقدر ما كان جريئا أيضا في التعبير عن آرائه السياسية في فترة كان المجال العام فيها محدودا على مؤيدي السلطة، حين تهافت الفنانون والمثقفون على دعم وتأييد المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر والغناء للسلطة الجديدة.

وقد عبر الفيشاوي عن رأيه السياسي في خوض السيسي الانتخابات الرئاسية، وعن رغبته في أن يكون الحكم المصري مدنيا بعيدا عن المؤسسة العسكرية، وكان التعبير عن هذا الرأي أمام الجمهور المصري لبرنامج العاشرة مساء خطوة جريئة في عام 2015، لكن يبدو أنها سمة مميزة للفيشاوي الذي يعبر عن رأيه بخفة وثقة.

ابن جيل يوليوز
يعد فاروق الفيشاوي واحدا من أبناء جيل ثورة يوليوز، إذ ولد في فبراير 1952، قبل 5 أشهر من قيام ثورة الضباط ونشأ طفلا تحت حكمها، يعتبر نفسه ناصريا، تعلم في نظامها التعليمي الجديد.

وتأثر الفيشاوي -مثل كثيرين غيره- بكل الأحداث التي جرت في مصر بعد قيام النظام الجمهوري في مصر، إذ كان مراهقا حين وقعت نكسة 67، وشابا في مقتبل حياته حين عبر الجيش المصري قناة السويس، لكنه لم ينخرط في أنشطة سياسية واضحة، اهتم فقط بالفن الذي بدأ مشواره فيه عام 1973 من خلال مسلسل "المفسدون في الأرض"، إلا أنه لمع كممثل واعد لاحقا في مسلسل "أبنائي الأعزاء شكرا" عام 1979.

نجومية الثمانينيات
بدأت مسيرته السينمائية بأدوار متوسطة في مطلع الثمانينيات "غاوي مشاكل"، و"غدا سأنتقم"، و"الباطنية"، لكن نجمه بدأ في الصعود حين شارك مع عادل إمام وسعاد حسني بطولة فيلم "المشبوه" عام 1981، لتبدأ رحلته السينمائية والتلفزيونية وعلى خشبة المسرح.

شارك الفيشاوي في أدوار ثانية أو بدور البطولة في نحو 135 فيلما منذ عام 1980، كما شارك في قرابة 70 مسلسلا تلفزيونيا و14 مسرحية لم يحتفظ فيها بصدارة أدوار البطولة ولا بألقاب مميزة مثل أبناء جيله، لكنه ترك علامات فارقة في الدراما، مثل دوره في مسلسله الشهير "علي الزيبق" عام 1985، وفي السينما في "ليه يا بنفسج"، و"مشوار عمر".

وخلال 67 عاما -هي عمر رحلته منذ ميلاده في محافظة المنوفية- اتسمت حياة الفيشاوي بالخفة والتصالح مع نفسه، والفضول لتجريب الأشياء، والتصالح مع الكوارث والأزمات وتغيرات الزمن، يستقبلها بابتسامة طيبة وربما يسخر منها أيضا، فالسرطان في رأيه مجرد صداع يمكن علاجه بالإصرار والإيمان، لن ينزعج منه ولا يريد لأحد أن ينزعج.

وحتى الساعات الأخيرة من حياته، التزم صديقه ورفيق رحلة علاجه الممثل كمال أبو رية بطمأنة الجمهور والصحفيين، معتبرا أن الأزمة الصحية التي فقد الفيشاوي بسببها الوعي جزء من رحلة العلاج من السرطان حتى فارق الحياة صباح اليوم 25 يوليوز الجاري.

المصدر / وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى