
ينتظر مغاربة العالم بكثير من الأمل والشغف تفعيل القرار الملكي السامي القاضي بإحداث “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والذي جاء به الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء في نونبر 2024، باعتباره منعطفا إستراتيجيا في تدبير شؤون الجالية، ورافعة مؤسساتية تستجيب لتطلعاتها المتزايدة في التمثيلية والإنصاف والإرتباط الفعلي بوطنها الأم.
وبعد مرور أزيد من أربعة أشهر على إعلان هذا الورش الملكي الكبير، ما تزال الساحة التشريعية تعرف بطئا خاصة مع غياب مقترحات تشريعية لإحداث المؤسسة، وأي مبادرة حكومية ملموسة لترجمة الإرادة الملكية إلى مشروع قانون مؤسس، يضع اللبنات القانونية والتنظيمية لهذا الإطار المؤسساتي الجديد، ويحدد صلاحياته، وهندسة حكامته، ومجالات تدخله، وآليات تمويله وربطه بالمنظومة الوطنية للتنمية والهجرة.
لقد جاء إحداث هذه المؤسسة المحمدية كمحاولة جريئة لتجاوز أعطاب التدبير السابق لشؤون الجالية، حيث سجل ضعف أداء بعض المؤسسات القائمة، مثل مجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني، سواء على مستوى التفاعل مع تحولات الهجرة المغربية أو من حيث الإستجابة لإنتظارات مغاربة المهجر، في قضايا التمثيلية، والاستثمار والهوية والحماية الاجتماعية والعدالة الإدارية.
إن المؤسسة الملكية المرتقبة لمغاربة العالم ، ليست مجرد إطار تقني إضافي، بل هي تعبير عن تحول عميق في رؤية الدولة المغربية لأدوار الجالية كرافعة وطنية وإمتداد استراتيجي في العالم.
ليبقى أمل أفراد جاليتنا بالمهجر، أن تشكل المؤسسة المحمدية نموذجا جديدا للحكامة المؤسساتية، تؤسس على تمثيليتهم الفعلية، وتسند فيها مواقع القرار والتدبير لكفاءات من داخل الجالية ذاتها، بما يضمن القرب من الإشكالات الواقعية، والفهم العميق للرهانات المتصلة بالإقامة والإندماج، مع الحفاظ على صلة حية بالمغرب. كما يرتقب أن تضطلع المؤسسة بأدوار إستراتيجية في مجالات الإستثمار، وتعبئة الكفاءات والدبلوماسية الموازية، والتعليم والثقافة والعدالة العابرة للحدود، بما يعزز إشعاع المملكة ويخدم مصالح أبنائها عبر العالم.
وفي أفق تنزيل هذا المشروع الملكي، يبرز عنصر الزمن كعامل حاسم، إذ أن التأخر في إطلاق المسار التشريعي للمؤسسة لا يمكن أن يمر دون ملاحظات، خاصة وأن التوجيه الملكي كان واضحا ومباشرا، ويحظى بالإجماع من طرف كل الفاعلين داخل المغرب وخارجه. فتأجيل التنفيذ يضعف منسوب الثقة لدى الجالية، ويفوت على المغرب فرصا هائلة في توطيد روابطه بمواطنيه في الخارج، في زمن تتصاعد فيه التحديات وتتعقد فيه قضايا الهوية والاندماج .
إن إنجاح هذا الورش يقتضي تضافر الإرادات السياسية والتشريعية والتنفيذية، والإسراع في بلورة مشروع قانون إطار ينشئ المؤسسة وفق رؤية تشاركية، ويفتح نقاشا عموميا يدمج مغاربة الخارج في صياغة معالم هذه المؤسسة، باعتبارهم المعنيين بها . كما ينبغي اعتماد مبدأ الشفافية والنجاعة في التعيينات والتدبير، وربط المؤسسة بإستراتيجية وطنية للهجرة ومغاربة العالم، تتقاطع فيها الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والدبلوماسية.
ختاما ، المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج ليست مجرد هيكل تنظيمي، بل هي إرادة ملكية، وأمل وطني ورسالة ثقة ، يجب أن ترتقي إلى مستوى الرهانات الكبرى التي يفرضها عالم متعدد الأقطاب، تصبح فيه الجالية رأسمالا بشريا وإستراتيجيا لا غنى عنه في حماية المصالح الوطنية وتوسيع دائرة الشراكات، وتعزيز الإشعاع الحضاري للمملكة المغربية الشريفة.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.