جماعة العدل والإحسان تفتي في قضايا “أمن المغاربة”
لم تجد جماعة العدل والإحسان من يُفتي على المغاربة في أمور أمنهم واستقرارهم وسلامة ممتلكاتهم سوى كاتب مغمور، دَبَج مقالة حُبلى بالأخطاء القانونية والمفاهيمية، غير مُميز حتى بين الشروع والمحاولة والأعمال التحضيرية للجريمة، ولا مُفرق بين ما إذا كان استعمال السلاح الوظيفي هو مسألة قانون تخضع للمقتضيات التشريعية، أم أنه مسألة تنظيمية تتعلق بالتعليمات الإدارية، أم أنه مسألة يتداخل فيها القانون والواقع!
ورغم كل الهفوات والزّلات والترّهات الآتي استعراض جانب منها لاحقا، والتي حفلت بها مقالة الجماعة، فقد ذيّلها نائب الناطق الرسمي حسن بناجح بعبارة " مقال جميل"! وهذا التوصيف إما أنه معطوف على جهل الكاتب، وإمعان في الجهل بمرتكزات المطلب الأمني، وإما أنه نفاق وبرغماتية إذا افترضنا جدلا بأن صاحب التعليق يمسك نسبيا بتلابيب الأسس النظرية للقانون، ويتملك بعضا من جوانب الحق في الأمن.
فقد استهل صاحب المقال استيهاماته وخواطره ب"غُرّة " خاطئة معيبة يزعم فيها بأن "التعليمات قد صدرت للأجهزة الأمنية مؤخرا للتوسع في استخدام السلاح الوظيفي"، وكان كمن يقول فيه المثل المغربي المشهور "من الخيمة خارج مايل". فاستهلالا، ينبغي تذكير الكاتب، ومعه أعلام الجماعة، بأن استعمال السلاح الوظيفي هي مسألة قانون، ترتبط -استخداما ونتيجة وأثرا- بحالات الدفاع الشرعي كأحد الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة.
فالتعليمات الإدارية تنصرف إلى المسائل التنظيمية، ولا علاقة لها ولا أثر على الأمور التشريعية، التي تخضع حصريا للقوانين ذات الصلة، وتتم تحت مراقبة السلطات القضائية التي أوكلها المشرع صلاحيات الرقابة والتسيير والإشراف على الأبحاث التمهيدية.
فضابط أو عون الشرطة القضائية الذي يستخدم السلاح الوظيفي، يكون ملزما باحترام القانون، وأن يتصرف في نطاق الدفاع الشرعي عن نفسه أو عن نفس الغير، وعن ماله أو مال الغير، ولا يمكنه أن يتذرع بالتعليمات أو غيرها. وهذه مسألة فيها ضمانة للموظف وللمواطنين على حد سواء، وهو ما حدث فعليا في واقعة الدار البيضاء عندما تم تقديم الشرطي أمام العدالة، بعدما تبث ارتكابه لتجاوزات قانونية عند استعماله لسلاحه الوظيفي.
ومباشرة بعد هذا الخروج " المائل" لكاتب المقال، سوف يعمد إلى إجراء مقارنة "تجريدية" بين استعمال السلاح الوظيفي في المغرب وفي الدول الأجنبية. وهي مقارنة " تجريدية"، لأنها لم تستدل بأية معطيات رقمية ولا إحصائيات كمية ولم تستشهد بمعطيات ميدانية أو واقعية، وإنما اقتصر كاتب المقال على العبور في كلامه العابر، وهو ما أسقطه في الحشو، وأبعده عن التحليل العلمي الدقيق.
أكثر من ذلك، فقد سقط صاحب المقال في زّلة كبيرة عندما حاول " الحجر" على إرادة المغاربة ومصادرة حقهم في التعبير واتخاذ المواقف! وكأنهم أحداثٌ يعوزهم الإدراك والتمييز وتنقصهم الأهلية القانونية. فقد ادعى "أن فئات عريضة من المغاربة تؤيد فكرة استعمال السلاح الناري دون أن تُقدر تبعات ذلك ولا أن تدرك تداعيات هذا الاستعمال على المدى البعيد".
وهنا تثار تساؤلات مشروعة: من يُنصّب أمثال هؤلاء المغمورين للإفتاء في أمور المغاربة؟ ومن هي الجهة التي تسمح لهم بالتنظير والتقرير فيما يصلح للمغاربة وما ليس في صالحهم؟ فهل من استباح حرم الجامعات لإهدار دم الطلبة الذين يختلفون معهم في الآراء والمواقف، يمكنه أن يقدم نفسه اليوم حريصا على أمن المغاربة؟ وهل من ينفث دخانه تحت كل المطالب الاجتماعية، في محاولة لتأجيجها وإذكاء جذوة توترها، يستطيع أن يتذرع اليوم بالمحافظة على مقومات النظام العام لفائدة المغاربة؟ وهل من ينشق على المغاربة في أمورهم الدينية والدنيوية، ويحاول بناء "حسينيات" خاصة به في جنح الظلام داخل المحلات السكنية، وإقامة "شواطئ حلال"، يمكنه أن يقدم نفسه اليوم مدافعا عن أمن المغاربة وسلامة ممتلكاتهم؟ إنه العبث في أقصى تجلياته.
ولعل من قفشات هذا المقال وأكثرها سخرية، هي عندما انبرى كاتب المقال يتحدث تلميحا عن التناسبية بين الفعل ورد الفعل عند استعمال السلاح الوظيفي، وعن آليات الرصد والمكافحة في معرض زجر الجريمة. وهنا سقط قلم الجماعة في خطأ قانوني وزلة حقوقية خطيرة، عندما قال بأن الأجهزة الأمنية المغربية يمكنها "اصطياد المجرمين حتى قبل التفكير في الشروع في أي اعتداء" ما دام أنهم يستعملون وسائل بدائية! وهنا نقول للجماعة ومنظريها، بأن أمن المغاربة يرتبط لزوما باحترام المرتكزات الأساسية للقانون والمتمثلة في احترام مبدأ الشرعية، أي لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وكذلك مفهوم المسؤولية الجنائية الذي لا يتحقق إلا بعد ارتكاب الجريمة أو محاولة ارتكابها، أما المعاقبة على النوايا وقبل الشروع في الجريمة فلا يتحقق إلا في استثناء وحيد وفريد في قضية " المؤامرة".
كثيرة هي إخلالات وإخفاقات صاحب المقال، والتي لا يمكن حصرها في مقال واحد وإنما تحتاج لسلسة مقالات. ويكفي أن نلفت انتباهه في هذا الصدد إلى معطى بديهي وهو أن "التوسع في قاعدة قانونية"، كما زعم في مقاله، هي مسألة غير واردة وليست سليمة لا عقلا ولا منطقا، ذلك أن القواعد القانونية المرتبطة بالتجريم والعقاب لا تقبل التوسع ولا القياس، وإنما هي محكومة بمبدأ النصية أو الشرعية. ولك أن تراجع كتب السنة أولى قانون لتميز النصوص التشريعية الخاضعة للقياس والتوسع من دونها.