الدين والحياة

عشرون سنة من اصلاح الحقل الديني..منجزات يجب تثمينها وتحديات يتعين رفعها

الدار /  المحجوب داسع

برز اهتمام الملك محمد السادس، باصلاح الحقل الديني، وتجديد هياكل وآليات اشتغاله، منذ اعتلائه العرش في 30 يوليوز 1999. اهتمام اتضح من خلال اعادة هيكلة عدد من المؤسسات الدينية الفاعلة في الحقل الديني، وانشاء أخرى، وبسط خريطة عمل أخرى، من أجل مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها التدين في عصر كثر فيه المتطفلين على الشأن الديني، وبرزت فيه تحديات الفتاوي العابرة للقارات، وموجة الفهم السقيم للدين، والتدين.

عشرون سنة من جلوس الملك محمد السادس على العرش، يمكن استجلاء معالمها على مستوى الحقل الديني، من خلال بسط أهم المنجزات التي تحققت خلال هذه الفترة، وأهم التحديات التي لاتزال تواجه المملكة.

تواصل وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية عملها في الجانب المتصل بضبط آليات اشتغال الحقل الديني على المستوى الاداري، والحكامة، وتنزيل الرؤية الملكية للحقل الديني بالمغرب ميدانيا، الى جانب المجالس العلمية المحلية والاقليمية التي تتوخى مبدأ القرب في التعاطي مع قضايا المواطنين في مجال العبادات والمعاملات، بالاستناد الى الثوابت المغربية عقيدة ومذهبا وسلوكا، وتنفيذا لتعليمات أمير المؤمنين.

أما على مستوى تصدي المملكة لخطاب التطرف العنيف، والفهم السقيم للدين، فتواصل الرابطة المحمدية للعلماء عملها في مجال تفكيك خطاب التطرف، وبسط الفهم الصحيح للتدين، من خلال مراكزها البحثية ووحداتها المتخصصة في النشء والشباب والطفولة.

والى جانب هاتين المؤسستين، تعكف مؤسسة دارا لحديث الحسنية على تجديد مناهج تكوينها بما يوائم مقتضيات العصر والسياق، وتحديات التدين، كما يواصل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، بدوره، عمله في توفير التكوين اللازم للطلبة المغاربة والأفارقة في مجال اشاعة الممارسة الدينية المعتدلة والمتجددة، علاوة على مؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالإعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، التي تنكب بدورهما على النهوض بالجانب الاجتماعي الخاصة بالقيمين الدينين.

 على الصعيد الاعلامي، لازالت اذاعة محمد السادس للقرآن الكريم تتربع على عرش الاذاعات الأكثر استماعا في المغرب، وهو ما يعكس تعطش المواطنين للمعرفة الدينية الآمنة والوسطية، الى جانب قناة محمد السادس  للقرآن الكريم، التي أرادها جلالة الملك قناة لبث المعرفة الدينية واشاعة ثقافة السلم والتعايش بين الثقافات والحضارات والأديان داخل المملكة، وخارجها.

وبغية ضمان الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج، والرعاية التي ما فتئ أمير المؤمنين يخص بها المواطنين المقيمين بديار المهجر، شكل اطلاق المجلس العلمي الأوربي خطوة مهمة في هذا الصدد، ناهيك عن اطلاق  مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تضطلع اليوم بدور هام في توحيد جهود العلماء الأفارقة بغية التصدي للتحديات التي تواجه القارة على مستوى الممارسة الدينية، كالتطرف، والفهم المتزمت للدين.

كما تميزت حصيلة عشرين سنة من إصلاح الحقل الديني بادماج المرأة العالمة في هذا المسلسل، الذي تجلى بالخصوص في الدروس التي ألقتها عدد من العالمات المغربية خلال شهر رمضان أمام جلالة الملك، وكذا في تعيين السيدة رجاء ناجي مكاوي، كسفيرة للمملكة لدى الفاتيكان، الى جانب اصدار قانون منظم لمهمة القيم الديني، الذي وضع لبنات اشتغال هذا الفاعل المهم، درء للزج بالديني في أتون السياسي، وحفظ لأمانة القيام بأمر الدين في هذا الوطن تحت رعاية أمير المؤمنين.

وان كان استعراض حصيلة اعادة هيكلة الحقل الديني في المملكة، يحتاج الى حيز كبير، فان أهم الاوراش التي يمكن الوقوف عندها في هذا الصدد، هو ورش ضبط مجال الفتوى بالمملكة، من خلال انشاء الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء داخل المجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه الملك بصفته أميرا للمؤمنين.

أمر أسهم بشكل كبير في ضبط الفتوى بالمغرب، وقطع الطريق أمام كل من سولت له نفس التطفل على هذا المجال الموكول للعلماء المشهود لهم بالأمانة والعلم والدراية.

حصيلة الحقل الديني بالمملكة، تميزت خلال سنة 2019، أيضا بالزيارة التي قام بها قداسة بابا الفاتيكان، للملكة و المباحثات التي أجراها مع الملك محمد السادس، امير المؤمنين، والتي تمخض عنها جملة من التوصيات المهمة في مجال اشاعة التسامح والحوار بين الأديان والثقافات.

منجزات كبيرة لايجب أن تخفي جملة من التحديات التي يتعين على المملكة رفعها خلال السنوات المقبلة.

أول هذه التحديات، هو استدامة هذه المنجزات، والحفاظ عليها سواء من ناحية التدبير الاداري، أو المضموني.

ثانيهما، ضرورة الاهتمام بالتحديات التي أضحى العالم المعولم يفرضها، من قبيل سريان المعلومة الرقمية، والخطاب الديني، الآت من خارج المملكة، مما يفرض ضرورة انكباب الفاعل الديني على صياغة مضامين اعلامية ورقمية جديدة لملامسة هموم الشباب والأطفال، ورواد الشبكة العنكبوتية.

ثالثا: ضرورة التشبيك بين جميع المؤسسات الدينية في المملكة، بغية توحيد الجهود والروئ حول مايتعين القيام به، حتى لا تبقى الجهود والأنشطة مشتتة.

رابعا: التصدي لخطاب التطرف العنيف، والفتاوي العابرة للقارات، ولخطاب الكراهية المنتشر على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يقتضي من العلماء التشمير عن سواعد الجدي بغية ابتكار آليات التعامل مع الشباب ورواد النت، وصياغة مضامين تلبي احتياجاتهم.

خامسا: استمرار تمكين المرأة العالمة، من خلال ادماجها في وضع تصور حول آليات اشتغال الحقل الديني، وتوفير المزيد من التكوينات حتى تقوم بدورها في التكوين والتأطير والوعظ والارشاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى