المواطن

هل يعني السكن الاجتماعي في المغرب “القطيعة” بين الجيران

 

الدار/ جميلة أوتزنيت

 

نقاش طويل هو ذاك الذي يروج هذه الأيام حول السكن والإسكان في المغرب، والحلول المطروحة لتجاوز أزماته.

يدور النقاش وتكثر الآراء، وينسى الجميع أن السكن المشتق من "السكينة"، يعني بالضرورة ضمان حسن الجوار. كيف لا ونحن من يؤمن بمقولة :" الجار قبل الدار"، أو المثل الشعبي القائل: "دير ما دار جارك أو لا بدل باب دارك".

ثقافة الجوار أو العلاقة بين جيران أمس، ليست كما هي اليوم. فبينما كانت الجيرة في الماضي غير البعيد، تعني الترابط والتآزر والتآخي، صارت اليوم تعني القطيعة والفردانية و"راسي يا راسي" أي الأنانية.

فماذا جرى؟ ما الذي حرم المغاربة من تلك الروابط الطيبة؟ وهل لمقتضيات العصر وما تفرضه ظروف السكن والإسكان يد في ذلك؟

تقول عائشة التاج، الباحثة المختصة في علم الاجتماع والتواصل، إن هناك "حيطانا نفسية واجتماعية" تفصل الجار عن جاره، ناتجة عن طبيعة البناء، خصوصا الشقق. "فالعمارات  وطبيعة هيكلتها تشجع على الفردانية وعدم التواصل.. للمعمار دور في تحديد طبيعة العلاقات" تقول التاج، في حديثها مع موقع "الدار".

هذا المعمار، بصروحه المشيدة، ومبانيه العالية، والذي حال دون استمرار العلاقات الطيبة بين الجيران، هو نفسه ما تطرحه حكومة البلاد، كحل لتجاوز أزمات السكن في المدن والحواضر تحديدا.

وهو ما يعني بالضرورة، تزايد معدلات القطيعة بين الجيران. ما سيزيد من تعميق الهوة بين أفراد المجتمع المغربي.

وهنا تنهيدة طويلة تتحسر على جيران الماضي.. حسرة ترجمتها عائشة التاج في كلمات بالقول: " أحمل في ذاكرتي معطيات جميلة ودافئة عن تلك العلاقات بين الجيران التي تربيت ضمنها، تستفز لدي حنينا لجو حميمي ودافئ يشعر الإنسان بخزان من الود والأمان".

فعلاقات الجيرة، بحسب المختصة في علم الاجتماع والتواصل، عندما تكون إيجابية، هي رافد أساسي في تنشئة الأطفال، وشعورهم بالحماية والعطف والمحبة، الذي يتجاوز الأسرة. وليس الصغار وحدهم من يشعرون بتلك الألفة والآمان، بل أيضا الكبار.

أما اليوم فقد اختفت هذه الأمور واختلفت. وهو ما تؤيده وسيمة تاجي، الحاصلة على الإجازة في التاريخ، والتي شددت على أن ثقافة الجوار بين المغاربة لم تعد كما كانت.

"تخبرنا الأقوال المأثورة أن الجار قبل الدار، إلا أن الواقع اليوم لا يعكس معنى الجيرة، بل اصبح الجار مصدرا للازعاج."، تقول وسيمة تاجي، في حديثها لموقع "الدار".

وتضيف بأن المعنى الصادق للجيرة الذي كان حاضرا فيما مضى، لم يعد له مكان في غياب الاحترام والتعايش والطمأنينة، وذلك نتيجة للتغيرات التي طرأت على المجتمع والرغبة في العيش بصورة انفرادية.

فسيادة النزعة الفردية ساهمت في اندثار قيم كانت سائدة في الماضي. كما أن رفض الاحتكاك والتواصل يعمق هذه الجراح. ولعل من أهم الأسباب وراء هذا الانغلاق فقدان الثقة "النية الصافية"، والتحلي بالأنانية.

لقد صارت العلاقات بين الجيران يشوبها كثير من الحذر والشك.  شك يذكيه الإعلام، سواء بوسائل تقليدية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي. هناك حيث تنتشر الأخبار، والأنباء، وحتى الشائعات كالنار في الهشيم، عن جار قطع جاره، وآخر اعتدى على حرماته، وغيرها من السلبيات.

فهل ستزيد السياسة المستقبلية للحكومة حول السكن، من تعميق هذه الجراح؟ يبقى السؤال مفتوحا في انتظار الآتي من الأيام..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى