أخبار الدارسلايدر

عندما يُختطف مركب… وتغرق الثقة!

عندما يُختطف مركب... وتغرق الثقة!

الدار : محمد الحبيب هويدي

في مشهد يُثير الدهشة والقلق معاً، اهتز ميناء أكادير فجر اليوم على وقع حادث صادم: اختفاء مركب صيد ساحلي صنف السردين، في عملية تُرجّح المعطيات الأولية أنها تمت بفعل فاعل، في ما يشبه عملية اختطاف مدروسة تُعيد إلى الأذهان سيناريو “ليكْلانْتين”، الذي لم تُمحَ آثاره بعد من ذاكرة المجهزين والبحارة.
لسنا هنا بصدد حادث عرضي، بل أمام مؤشّر خطير على قابلية الموانئ المغربية للاختراق، وعلى هشاشة منظومة الحراسة التي يُفترض أن تُشكّل خط الدفاع الأول ضد أي تحرّك غير قانوني للمراكب. إن تحرك مركب مجهّز، دون إذن ولا إشعار، وقطعه مسافة بحرية في اتجاه غير معلوم، ليس مجرد “حادث مهني”… بل ناقوس خطر سيادي.
الأدهى من ذلك، أن جهاز التتبع VMS رصد تحرك المركب، دون أن تتمكن السلطات من توقيفه فوراً، وهو ما يطرح أسئلة محرجة حول مدى فعالية أنظمة التتبع والمراقبة، وطرق استثمارها في التدخل الاستباقي.
وإذا كان الربان والمجهز قد سارعوا إلى تقديم شكاية عاجلة، فإن المطلوب اليوم ليس فقط ملاحقة الجناة، بل إعادة النظر في العمق بمنظومة الأمن المينائي: من هو المسؤول فعلاً عن أمن المراكب في وضع التوقف؟ من يُراقب الحُرّاس؟ ومن يضمن أن لا تتحول الموانئ إلى منصات انطلاق لأنشطة مشبوهة مرتبطة بتهريب البشر والهجرة غير النظامية؟
ومما يُعمّق المخاوف، أن قوارب الصيد التقليدي، خاصة في الجنوب المغربي، أصبحت بدورها تُستغل بشكل متزايد في عمليات الهجرة السرية، في ما يشبه تحوّلاً مقلقاً لمسارات هذه الوسائل البحرية من أنشطة الإنتاج إلى أنشطة غير قانونية تهدد الأمن البحري للمنطقة.
وهو ما يفرض اليوم إرساء آليات تنسيق جديدة بين المغرب وإسبانيا، على رأسها اتفاقية ثنائية واضحة تُلزم الطرفين بإعادة قادة المراكب أو القوارب الذين يتم توقيفهم داخل المياه الإسبانية، تفادياً لتحوّل الموانئ الإسبانية إلى ملاذ آمن لعمليات التهريب، وضماناً لتطبيق العدالة على التراب الوطني.
إن هذا الحادث، وإن بدا معزولاً، فإنه يُهدد بتحول “الاختطاف المينائي” إلى نمط متكرر، تغذيه شبكات إجرامية منظمة، تجد في التراخي الأمني، وضعف الرقابة، وتهميش فئات مهنية حيوية، فرصة سانحة لتنفيذ مخططاتها.
وهنا نُسلّط الضوء على فئة حُرّاس المراكب، أولئك الذين يُطلب منهم أن يكونوا رجال أمن، ورجال إطفاء، وفنيي طوارئ… دون أن يحصلوا على الحد الأدنى من الاعتراف القانوني، أو التكوين المهني، أو التأطير المؤسساتي. هذه الفئة، التي تُحاصرها الهشاشة، قد تتحول ـ في غياب سياسة إدماج عادلة ـ إلى نقطة اختراق تسهّل تنفيذ أفعال جرمية بأدوات من الداخل.
من المؤسف أن يُترك قطاع استراتيجي كقطاع الصيد البحري عرضة لهكذا اختلالات. ومن المقلق أكثر أن لا يُستوعب حتى الآن أن أمن الموانئ هو أمن وطني بامتياز، وأن التغاضي عن هذه الأفعال يفتح الباب أمام ولادة “قراصنة جدد” بتمويل وتشجيع من شبكات عابرة للحدود.
إن المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تعبئة سياسية وأمنية عليا لإعادة الثقة للمجهزين، وحماية الاستثمارات، وصون سمعة الموانئ المغربية. ذلك أن مركباً يُختطف دون ردع فوري… هو مركب يُغرق ثقة كاملة في البحر.

زر الذهاب إلى الأعلى