الوحدة أساس التنمية.. رسالة إلى السياسيين والمنتخبين في الأقاليم الصحراوية
الوحدة أساس التنمية.. رسالة إلى السياسيين والمنتخبين في الأقاليم الصحراوية

بقلم :محمد الحبيب هويدي
في خضم التحديات التي تعرفها الأقاليم الصحراوية، يظل الرهان الحقيقي هو تغليب المصلحة العامة على كل الحسابات الضيقة، والانتصار لقيم الوحدة والعدالة، بعيدًا عن النزاعات العبثية التي لا تُثمر سوى الفرقة والضياع. ومن هذا المنطلق، يوجّه العديد من أبناء المنطقة نداءً صادقًا إلى المنتخبين والسياسيين، داعين إياهم إلى إعادة ترتيب الأولويات، والانخراط الجاد في مشروع تنموي موحَّد يخدم الساكنة ويُحصّن المجتمع من مخاطر التشرذم والانقسام.
وقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز:
﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا﴾
كما نهى سبحانه عن التنازع لما له من أثر مدمر، فقال:
﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾.
وهذه التوجيهات الإلهية تُعد دعامة أخلاقية ودينية ينبغي أن تكون نبراسًا للعمل السياسي والاجتماعي.
لقد آن الأوان لأن يتجاوز الفاعلون السياسيون لغة الإشارات والرسائل المشفّرة التي لا تزيد الوضع إلا غموضًا وتوتّرًا، وأن يضعوا حدًّا لكل أشكال التحريض المبطن، سواء من خلال التصريحات أو عبر تحريك بعض الأصوات التي تُعرف بولائها لأشخاص لا لبرامج أو مشاريع. فتلك الأساليب، التي اعتاد البعض ممارستها، لم تعد تُقنع أحدًا، بل أصبحت تُنظر إليها كتهديد مباشر للوحدة المجتمعية وضرب لمبدأ التمثيلية الحقيقية.
وقد حذر النبي محمد ﷺ من إثارة الفتن والفرقة، فقال:
“لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض”
وقال ﷺ أيضًا: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه”
فهذه الأحاديث تدعو إلى الأخوة والوحدة، وتحذر من الفتنة والفرقة التي تهدم المجتمعات من الداخل.
القبيلة، التي تُعد مكونًا من مكونات النسيج الاجتماعي الصحراوي، ينبغي أن تبقى إطارًا ثقافيًا وهويّاتيًا جامعًا، لا وسيلة للاستقواء أو الاقتتال السياسي. استغلال الانتماءات القبلية لتأجيج الصراعات أو كسب ولاءات انتخابية لا يخدم أحدًا، بل يُضعف مؤسسات الدولة، ويفتح المجال أمام التدخلات الخارجية، ويُعطّل عجلة التنمية التي تحتاج إلى التكاتف لا التناحر.
إنه من غير المقبول أن تتحول بعض مناطق الصحراء إلى بؤر للريع والزبونية، أو إلى ساحات يتقوى فيها البعض بانتماءاتهم الضيقة لتحقيق مصالح شخصية. لا مكان اليوم لأساليب المحسوبية أو الاتكالية في زمن يُراهن فيه المواطن على الكفاءة والاستحقاق والمردودية.
وتأكيدًا لذلك، فإن النموذج التنموي الذي يتطلع إليه أبناء الصحراء لا يمكن أن يقوم إلا على إشراكهم الفعلي في اتخاذ القرار، وتوفير فرص العيش الكريم والعمل المنتج في مناخ من العدالة والمساواة. لقد ولى زمن الامتيازات غير المستحقة، وحان وقت ترسيخ دولة المؤسسات التي تضع المواطن في صلب السياسات العمومية، لا على هامشها.
وما يضاعف من خطورة الوضع هو ظهور بعض الجهات التي “تسبح في المياه العكرة”، مستغلة هشاشة المشهد المحلي لبثّ الفتنة وتشجيع الانقسامات، خدمةً لأجندات شخصية ضيقة، قد يكون ظاهرها الحرص على المصلحة العامة، لكن باطنها لا يحمل سوى العبث والتخريب الممنهج للثقة بين المواطن ومؤسساته.
الرسالة اليوم واضحة وبسيطة: كفى من الصراعات العقيمة، وكفى من الخطابات التي تشعل ولا تُطفئ. آن الأوان لتوحيد الكلمة، والانكباب على خدمة الساكنة، وتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية التي طال انتظارها. الصحراء ليست حلبة لتصفية الحسابات السياسية، بل أرض غنية بالطاقات والكفاءات والمبادرات التي تحتاج إلى من يرعاها ويدعمها، لا من يعطلها أو يفرّقها.
إن المسؤولية الملقاة على عاتق المنتخبين والسياسيين ليست مجرد مناصب، بل هي أمانات، وقد قال رسول الله ﷺ:
“كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” [رواه البخاري].
ومن يتولى الشأن العام ينبغي أن يُحسن الرعاية ويكون في خدمة الناس، لا فوقهم.
الوطن في حاجة إلى مسؤولين يُفكّرون بعقل الدولة، لا بمنطق الزعامة القبلية أو الولاءات الموسمية. الحاجة ماسة إلى رجال ونساء يُدركون أن القيادة تكليف لا تشريف، وأن الانخراط في العمل السياسي يتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة ونكران الذات. فلا مكان اليوم لمن يضع مصلحته فوق مصلحة الوطن، ولا مستقبل لأولئك الذين يظنون أن الصوت العالي أو المؤامرات الخفية يمكن أن تبني مجتمعًا متماسكًا.
لقد أثبتت التجربة أن كل صراع داخلي، كيفما كان شكله، يدفع المواطن البسيط ثمنه أولاً وأخيرًا. وحدهم المتربصون بالمشروع التنموي الوطني هم من يستفيدون من الانقسام، ومن شلّ قدرات الفاعلين الحقيقيين. لذلك فإن وحدة الصف، واحترام الاختلاف، والتعاون المشترك، هي مفاتيح المرحلة، وهي الطريق الأوحد لبناء أقاليم مزدهرة وآمنة.
وفي النهاية، فإن ما يجب أن نؤمن به جميعًا هو أن لا فرق بين أبناء الصحراء وباقي أبناء الوطن. الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، تحت راية واحدة، وفي كنف وطن واحد، يجمعهم الطموح في غدٍ أفضل، قوامه العدالة، والكرامة، والعيش المشترك في أمن واستقر.