وفد سعودي في المغرب.. استثمار إستراتيجي يعزز الشراكة ويعيد رسم ملامح التعاون الاقتصادي بين الرباط والرياض

الدار/ غيثة حفياني
شهد المغرب خلال الأيام الأخيرة زيارة هي الأضخم من نوعها منذ سنوات، تمثلت في قدوم وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى يضم نحو 30 شركة كبرى تمثل قطاعات متعددة، في خطوة تؤشر على مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين المملكتين. وجاءت الزيارة في إطار السعي السعودي إلى تنويع الاقتصاد ضمن رؤية المملكة 2030، واستكشاف فرص استثمارية واعدة في المغرب الذي يواصل ترسيخ موقعه كمنصة اقتصادية إقليمية جاذبة.
الزيارة لم تكن بروتوكولية، بل أفرزت نتائج عملية تمثلت في الإعلان عن تأسيس صندوق استثماري مشترك مغربي–سعودي، يهدف إلى تمويل مشاريع كبرى في البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة. ويُنتظر أن يشكل هذا الصندوق آلية فعالة لتسريع إنجاز المشاريع ذات الطابع الإستراتيجي، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الجانبين.
ومن بين أبرز المشاريع التي تم الاتفاق على دخول شركات سعودية في تنفيذها، تطوير محطات تخزين كهرباء الطاقة الشمسية في مشروع “نور ميدلت 2 و3”، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد من قبل الرياض بمجال الطاقات المتجددة، خصوصاً في بلد يُعد من رواد التحول الطاقي في إفريقيا. كما تشمل الاستثمارات المرتقبة مجالات المدن الذكية، والسياحة، والعقارات، وهي قطاعات تراهن عليها الرباط لجذب رؤوس الأموال وخلق فرص شغل جديدة.
وتأتي هذه الدينامية الاستثمارية في سياق تصاعد التبادل التجاري بين البلدين، والذي تجاوز 1.3 مليار دولار سنة 2024، مع توقعات ببلوغه 1.6 مليار دولار مع نهاية 2025. كما يسعى الطرفان إلى توسيع آفاق التعاون ليشمل مشاريع مرتبطة بالإعداد لتنظيم كأس العالم 2030، الذي يشترك المغرب في تنظيمه إلى جانب إسبانيا والبرتغال، خاصة في مجالات النقل، الضيافة، والفندقة، وهي مجالات تمتلك فيها الشركات السعودية خبرة واستثمارات عالمية ضخمة.
الاهتمام السعودي المتجدد بالمغرب يعكس إدراكاً متزايداً للإمكانات التي يوفرها الاقتصاد المغربي، سواء من حيث موقعه الجغرافي الاستراتيجي كبوابة للأسواق الأفريقية، أو من حيث تجربته الصناعية الناجحة في قطاعات السيارات والفوسفات والطاقة المتجددة. في المقابل، يرى المغرب في هذه الشراكة فرصة لتوسيع قاعدة تمويل مشاريعه الكبرى وتعزيز حضوره في الفضاء الاقتصادي العربي والخليجي.
بهذه الزيارة، يبدو أن العلاقات المغربية–السعودية تدخل مرحلة جديدة قوامها الاستثمار المتبادل والرؤية المشتركة للمستقبل الاقتصادي، في وقت تتقاطع فيه مصالح البلدين نحو بناء نموذج تعاون عربي يقوم على الفعل الميداني والمشاريع الملموسة، لا على الخطابات الدبلوماسية فقط.