أخبار الدارسلايدر

التعبيرات الشبابية لجيل زيد: دلالات اجتماعية وتحديات سياسية

التعبيرات الشبابية لجيل زيد: دلالات اجتماعية وتحديات سياسية

بقلم: ياسين المصلوحي

بعد عشرة أيام من تنظيم جيل Z للوقفة الاحتجاجية الأولى، التي طالبوا من خلالها، في السابع والعشرين من شتنبر، بتجويد خدمات الصحة والتعليم، وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية التي تعتبر مطالب معقولة وتتضمن في أجندات المواطنين في كل بقاع العالم، مهما بلغ تطور وتقدم المجتمعات، غير أن هذه الوقفات، التي بدأت سلمية وبطرق حضارية، سرعان ما انحرفت عن مسارها، لتتحول إلى أعمال عنف وتخريب طالت سيارات قوات الأمن، ثم الممتلكات الخاصة، فالمحلات التجارية والمرافق العمومية. وهو ما أثار أسئلة عميقة حول خلفيات هذا التحول، وأسباب غياب الوسائط القادرة على تأطير المطالب والحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاج.
هذه الأحداث كشفت عن مجموعة من المعطيات والدلالات التي يجب أخذها بعين الاعتبار؛ أولها فشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية بمختلف مستوياتها، انطلاقاً من الأسرة والمدرسة ودار الشباب والشبيبات الحزبية، والأحزاب السياسية سواء في الأغلبية أو المعارضة، في لعب دور التأطير والتكوين ومواكبة الأطفال إلى حين بلوغهم النضج والوعي الضروريين. هذا الفراغ على مستوى أدوار هذه المؤسسات جعل الأرض خصبة لنشأة سلوكيات تخريبية وانتقامية تجاه الآخر، بغض النظر عن طبيعته القانونية، سواء تعلق الأمر بمؤسسة أم بأفراد.
كما كانت هذه الأحداث فرصة لتحريك مياه التواصل الراكدة بين الحكومة والمجتمع، حيث تناسلت البرامج الحوارية واللقاءات الإعلامية والتواصلية للحكومة، وخصوصاً القطاعات المعنية بهذه الاحتجاجات، حتى كادت تصيب المتابع بالتخمة. وبقدر ما هذه الدينامية التواصلية مطلوبة، بقدر ما لا يجب أن تكون موسمية أو مرتبطة بظرفية سياسية أو مجتمعية معينة، بل يجب أن تستمر في الزمن.
وقد كانت هذه الاحتجاجات فرصة ذهبية لتسجيل النقاط السياسية بين الأحزاب ، حيث تبادلت الأغلبية والمعارضة التهم فيما بينها، ودَفعت بعض مكونات الأغلبية الحكومية إلى التنصل من بعض التزاماتها السياسية في إطار التحالف الحكومي، كما زادت من تعميق الشرخ بين أحزاب المعارضة نفسها. وواقع الحال يجعل كل الأحزاب السياسية في سلة واحدة، حيث إن هذه الأوضاع الحالية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات السنوات الخمس عشرة الأخيرة، منذ إقرار دستور 2011، بمشاركة مختلف الفاعلين السياسيين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام.
ورغم انتقال المطالب من الطابع الاجتماعي إلى السياسي مع مرور زمن الاحتجاج، إلا أن البيانات الصادرة عن نشطاء “جيلZ ”، حافظت على احترام الثوابت الجامعة، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، التي شكلت نقطة الالتفاف الوحيدة، ومحط الثقة الأساسي، ومعقد أمل كل الأجيال رغم اختلافهم، وطوق النجاة الكبير الذي طالما جنب المغرب ويلات الفوضى والخراب والانزلاق نحو المجهول على مر العصور.
إن المجتمع المغربي، شأنه شأن باقي المجتمعات، يعرف دينامية وحركية تفاعلية يمكن اعتبارها إيجابية على العموم، بغض النظر عن بعض الهفوات، إلا أنها دليل ومؤشر على نبض الحياة، وأن المجتمع لا يزال على قيد الحياة، تتدافع فيه القوى الحية، وتتفاعل فيه كل المكونات على اختلافاتها، إلا أنها تغني الوحدة وتعزز من مناعة المجتمع المغربي في وجه الاختراقات ومحاولات التفرقة. فالأصل الطيب للمغاربة يمكنهم من تجاوز كل الأزمات والمطبات، ولنا في التاريخ المغربي عديد الدروس والعبر منذ تأسيس الدولة الإدريسية. وبالتالي، فإن هذه الاحتجاجات ليست إلا حلقة في مسلسل التطور الذي يراكم التجارب ويصحح الأخطاء، لينطلق بالبلاد نحو مستقبل نتشارك جميعاً في بنائه.

زر الذهاب إلى الأعلى