
الدار/ محمد الحبيب هويدي
يعيش عدد كبير من سكان جماعة بوشان والمناطق المجاورة لها التابعة لإقليم الرحامنة، حالة من التذمر والاستياء، بعد تعويضهم بمبالغ اعتُبرت “هزيلة وغير منصفة” مقابل أراضٍ تم استغلالها في مشاريع تنموية من طرف المكتب الشريف للفوسفاط. وتزداد حدة الغضب الشعبي بالنظر إلى ما وصفته الساكنة بـ”التمييز المجالي” مقارنة بما استفاد منه ملاكو الأراضي في منطقة سد أيت زياد بإقليم الحوز، حيث تم اعتماد تعويضات أكثر سخاءً وعدالة.
وتُحمل الساكنة المتضررة الجهات المعنية مسؤولية تفويت أراضٍ سلالية وكيش، كانت إلى وقت قريب تشكل مصدر رزق أساسي للساكنة، معتبرين أن ما حصل هو “إجهاز على الحقوق الجماعية والتاريخية”، في غياب أي إعادة تأهيل اقتصادي أو اجتماعي بديل.
غياب الإنصاف الترابي في تقدير التعويضات: نموذج بوشان والحوز
في الوقت الذي تم فيه تعويض الفلاحين الصغار بمنطقة أيت زياد بالحوز بأسعار تصل إلى 60 درهمًا للمتر المربع (أي ما يعادل 60 مليون سنتيم للهكتار)، حسب ما قررته اللجنة الإدارية للتثمين، طبقا للظهير الشريف رقم 1.81.254 بتاريخ 6 مايو 1982، المنظم لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، لم تتجاوز تعويضات سكان بوشان بضعة آلاف من الدراهم للهكتار، رغم كون الأراضي المستغلة تعود في الغالب إلى سلالات عريقة وكيش، ولها وضعية قانونية محمية.
وقد حددت اللجنة المثمنة في منطقة أيت زياد أسعار التعويض حسب المساحة على الشكل التالي:
أقل من 1500 متر مربع: 60 درهم/م²
بين 1500 و3500 م²: 50 درهم/م²
بين 3500 و6000 م²: 40 درهم/م²
بين 6000 و8800 م²: 30 درهم/م²
أكثر من 8800 م²: 20 درهم/م²
مع إضافة أثمنة الأشجار حسب نوعها (2200 درهم للشجرة الكبيرة، 1350 درهم للمتوسطة، 900 درهم للصغيرة).
وبناء على هذه المعايير، وصلت قيمة تعويض بعض الفلاحين إلى أزيد من 40 مليون سنتيم للهكتار الواحد، في حين أن سكان بوشان – رغم أن أراضيهم استخدمت أيضًا لأغراض تنموية واستخراجية – تسلموا مبالغ اعتبرها البعض “مُهينة” وغير عادلة.
الأرض العقيمة بعد الفقدان: لا ماء، لا زراعة، لا مستقبل
لم تتوقف المأساة عند ضعف التعويضات، بل امتدت إلى التدهور البيئي الشامل الذي طال المنطقة بعد تنفيذ مشاريع استغلال الأراضي. إذ أفادت شهادات محلية بأن الأراضي أصبحت عقيمة، بعد فقدان المنابع المائية، مما تسبب في اندثار النشاط الفلاحي والرعوي، الذي كان يعتبر العمود الفقري للاقتصاد المحلي.
ويقول أحد أبناء بوشان:
“الأرض لم تُفقد فقط، بل ما تبقى منها لم يعد صالحًا لا للرعي ولا للفلاحة. تم تجفيف العروق، وضاعت موارد الرزق، وتم تعويضنا بدريهمات لا تكفي حتى لشراء خيمة نأوي بها أسرنا.”
المفارقة: غياب الساكنة الأصلية وحضور المتحدثين باسمها
يرجع بعض المتابعين ضعف المرافعة عن حقوق بوشان إلى غياب نسبة كبيرة من الساكنة الأصلية، التي هاجرت إلى الأقاليم الصحراوية منذ سبعينيات القرن الماضي، للمشاركة في الدفاع عن الوحدة الترابية. هذا الغياب خلّف فراغًا تمثيليًا، استغلته الجهات الإدارية لتدبير الملف بمنطق بيروقراطي لا يراعي الأبعاد التاريخية والاجتماعية.
والمفارقة الأكبر، حسب السكان، أن بعض الجماعات كبوشان وأيت حمو، تضم أعضاءً من نواب الأراضي السلالية الذين يفترض أن يدافعوا عن مصالح ذوي الحقوق، إلا أن دورهم بقي محدودًا في كثير من الحالات.
دعوات إلى فتح تحقيق إداري وإعادة التقييم
يطالب المتضررون من أبناء بوشان الجهات الوصية، وعلى رأسها وزارة الداخلية والمكتب الشريف للفوسفاط، إلى إعادة فتح ملف التعويضات وإخضاعه لتدقيق قانوني ومالي، يراعي التفاوتات المسجلة بين الأقاليم، ويفتح المجال لتعويض عادل وشفاف.
كما يطالبون بتفعيل مقتضيات القانون رقم 62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، الذي ينص على حماية حقوق ذوي الأرض، وتمكينهم من العائدات بشكل عادل، والقطع مع أي تهميش ممنهج.
وفي انتظار ذلك، يبقى الوضع في بوشان شاهداً على خلل في التوازن المجالي، وعلى حاجة ملحة لتفعيل مبادئ العدالة الترابية والإنصاف في الاستفادة من مشاريع التنمية.
الخلاصة: الأرض ليست مجرد متر مربع، بل تاريخ وهوية وحق
ما تطالب به ساكنة بوشان ليس صدقة ولا منّة، بل حق قانوني وأخلاقي في أرض ضحّوا من أجلها، وساهموا في حماية الوطن من حدود الصحراء إلى هضاب الرحامنة. وإن كانت الدولة ماضية في تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى، فلتكن هذه المشاريع رافعة تنموية للجميع، لا مصدرًا للتمييز والتفاوت.