النظام الجزائري في العناية المركزة قبل الموعد الأمريكي الحاسم بشأن الصحراء المغربية

الدار/ إيمان العلوي
يبدو أن النظام العسكري الجزائري يعيش اليوم واحدة من أكثر لحظاته حرجًا منذ عقود، بعد أن باتت كل المؤشرات تشير إلى أن مجلس الأمن يستعد، بدفع أميركي قوي، لتمرير قرار تاريخي يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، ويدعم مشروع الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع.
التطورات المتسارعة في الكواليس الأممية، والتقارير المتطابقة الصادرة عن عواصم القرار الكبرى، تؤكد أن الوقت بات يضيق أمام الجزائر، التي لم تعد تمتلك سوى أسابيع معدودة قبل حلول الموعد الذي حددته واشنطن لتوقيع اتفاق سلام شامل مع المغرب والاعتراف النهائي بمغربية الصحراء.
التحركات الأميركية، التي يقودها المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وضعت جدولًا زمنيًا لا يتجاوز ستين يومًا منذ منتصف أكتوبر، أي إلى حدود منتصف ديسمبر المقبل، من أجل الوصول إلى تفاهم بين الرباط والجزائر برعاية دولية. هذا الإطار الزمني لم يكن مجرد توصية دبلوماسية، بل إن واشنطن جعلت منه التزامًا سياسيًا، مدعومًا من فرنسا والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأوروبية التي باتت ترى في المبادرة المغربية الحل الوحيد القابل للتطبيق.
وبذلك يتحول المقترح المغربي من رؤية وطنية إلى مشروع دولي متكامل يحظى بشرعية مجلس الأمن ودعم القوى الكبرى.
في المقابل، يعيش النظام الجزائري حالة ارتباك داخلي وخارجي، بعد أن أدرك أن رهانه الطويل على جبهة البوليساريو بدأ ينهار أمام الإجماع الدولي المتشكل حول الطرح المغربي. فالدبلوماسية الجزائرية، التي اعتادت لغة الرفض والتصعيد، وجدت نفسها أمام واقع جديد يُفرض عليها من الخارج، بعد أن استنزفت كل أوراقها السياسية والإعلامية دون تحقيق أي مكسب ملموس.
ومع تقلص عدد الدول الداعمة لأطروحتها، وتزايد حجم العزلة التي تفرضها التحولات الجيوسياسية، لم يعد أمام النظام العسكري سوى خيارين: القبول بالسلام مع المغرب أو مواجهة انهيار استراتيجي شامل على المستويين الإقليمي والدولي.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبه النظام الجزائري هو إصراره على تجاهل المتغيرات العميقة في الموقف الدولي، والاستمرار في التعاطي مع قضية الصحراء بذات الخطاب الإيديولوجي المتجاوز. فبينما استطاع المغرب أن يحوّل الملف إلى ورقة استثمار وتنمية وشراكة دولية، بقيت الجزائر حبيسة منطق الحرب الباردة، تستهلك أموالها في تسليح ميليشيات انفصالية بدل توجيهها لتنمية مناطقها الداخلية التي تعاني التهميش. كما فشلت الدبلوماسية الجزائرية في استثمار الفرص التي منحتها بعض الدول لإعادة التموضع، مفضلة نهج الصدام والمزايدة على حساب مصالحها القومية.
اليوم، ومع اقتراب الموعد الذي حددته واشنطن، يترقب العالم الخطوة الجزائرية المقبلة: هل سيتجرأ النظام العسكري على توقيع اتفاق السلام والاعتراف بمغربية الصحراء، أم سيواصل سياسة الهروب إلى الأمام؟ المؤشرات الحالية توحي بأن الوقت لم يعد في صالحه، وأن أي رفض جديد قد يُقابَل بعزلة أعمق وضغوط اقتصادية وسياسية أشد. فالمجتمع الدولي حسم أمره، والولايات المتحدة تقود مبادرة تُعتبر الفرصة الأخيرة أمام الجزائر للانخراط في منطق الاستقرار بدل المغامرة.
لقد دخلت الدبلوماسية الجزائرية فعلاً مرحلة “العناية المركزة”، في وقت يواصل فيه المغرب كسب النقاط على الأرض وفي المؤسسات الدولية بفضل واقعيته واستبصاره. وإذا لم تُراجع الجزائر موقفها سريعاً، فإن التاريخ سيسجّل أن النظام العسكري أضاع آخر فرصة لإنقاذ صورته ودوره في المنطقة، وترك للرباط أن تكتب وحدها نهاية أطول نزاع إقليمي في شمال إفريقيا.






