واشنطن تكتب شهادة وفاة البوليساريو.. ضربة مزدوجة للنظام الجزائري
واشنطن تكتب شهادة وفاة البوليساريو.. ضربة مزدوجة للنظام الجزائري

الدار/ إيمان العلوي
تعيش الدوائر الحاكمة في الجزائر حالة ارتباك غير مسبوقة عقب التحركات الأميركية الأخيرة في ملف الصحراء المغربية، والتي شكّلت، ضربة مزدوجة أربكت حسابات المؤسسة العسكرية ووضعت النظام في زاوية ضيقة لم يعرف مثلها منذ عقود.
فالمعطيات الصادرة من كواليس مجلس الأمن تؤكد أن واشنطن دفعت بقوة نحو تمرير مسودة قرار جديدة تحمل في طياتها تحوّلاً جذرياً في مقاربة المجتمع الدولي للنزاع المفتعل حول الصحراء. هذه المسودة، بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، تُعتبر بمثابة شهادة وفاة تنظيم “البوليساريو”، إذ إنها تُجدد التأكيد على المرجعية الواقعية التي يمثلها مقترح الحكم الذاتي المغربي كحلّ وحيد ودائم، وتُضعف كل ما تبقى من أوهام الجبهة الانفصالية.
القرار المنتظر صدوره في 30 أكتوبر، يُعدّ من وجهة نظر العديد من المحللين نقطة تحوّل تاريخية، لأنه يُغلق فعلياً الباب أمام أي مسار “استفتائي” أو “تحرري”، ويكرّس للمرة الأولى رؤية أمريكية واضحة تقوم على دعم الحل المغربي باعتباره الضمان الوحيد للاستقرار في شمال إفريقيا.
لكن المفاجأة الثانية، والتي كانت بمثابة صدمة في الجزائر، تمثلت في ما وُصف بـ”مهلة الستين يوماً” التي وضعتها واشنطن لإطلاق مسار سلام مباشر بين المغرب والجزائر. هذه الخطوة ليست تفصيلاً دبلوماسياً، بل تحمل في طياتها رسالة بالغة الوضوح: إن كانت الجزائر، كما تزعم منذ نصف قرن، “ليست طرفاً في النزاع”، فعليها اليوم أن تثبت ذلك عملياً، أو أن تتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية في استمرار الأزمة.
الولايات المتحدة، استخدمت تكتيك النظام الجزائري ضده نفسه. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، ظلّ النظام العسكري في الجزائر يناور تحت ذريعة أنه مجرد “داعم إنساني” لجبهة “البوليساريو”، في حين كان يمولها ويسلّحها ويوجهها دبلوماسياً. اليوم، واشنطن نزعت منه تلك الورقة وألزمته، من خلال قرار مجلس الأمن، بأن يكون طرفاً في أي تسوية سلمية قادمة، في خطوة تُعيد ترتيب المشهد الدبلوماسي برمّته.
ما جرى ليس تحوّلاً تكتيكياً بل استراتيجياً، إذ أن واشنطن، ومعها عواصم كبرى كباريس ومدريد، باتت ترى في استمرار الصراع تهديداً مباشراً لأمن الساحل الإفريقي ولمصالحها في المنطقة، خاصة في ظل تمدد النفوذ الروسي عبر مجموعة “فاغنر” في الساحل والصحراء. لذلك، فإن الحل السياسي الواقعي، القائم على مبادرة المغرب، أصبح اليوم ضرورة جيوسياسية أكثر من كونه خياراً تفاوضياً.
الجزائر، التي كانت تراهن على استمرار حالة “اللا حل”، وجدت نفسها فجأة أمام قرار أمريكي صارم يُعيد صياغة قواعد اللعبة، ويُضعف أوراقها الإقليمية، خصوصاً مع تراجع نفوذها داخل الاتحاد الإفريقي وتزايد عزلتها الدبلوماسية عربياً وغربياً.
إنها، باختصار، ضربة مزدوجة وجهتها واشنطن للنظام الجزائري: الأولى بسحب الشرعية عن “البوليساريو”، والثانية بإجباره على الانخراط في عملية سلام مباشرة مع المغرب. وبين الضربتين، تتهاوى كل شعارات “تقرير المصير” التي ظل النظام العسكري يرفعها لعقود لتبرير سياساته التوسعية.
وإذا ما صادق مجلس الأمن على القرار المرتقب في نهاية أكتوبر، فإننا سنكون أمام مرحلة جديدة من تاريخ النزاع، عنوانها الأبرز: نهاية الوهم الانفصالي، وبداية مرحلة الاستقرار الإقليمي تحت سيادة المغرب الكاملة على صحرائه.






