الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف… عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري

الدار/ زكريا الجابري
في قلب صحراء الحمادة الجزائرية، حيث تنتشر مخيمات تندوف المغلقة أمام أعين المراقبين الدوليين، تختبئ واحدة من أكبر الخدع السياسية في شمال إفريقيا: وهم “اللاجئين الصحراويين”. فخلف الشعارات الإنسانية التي يرفعها النظام العسكري الجزائري وواجهة ما يسمى بـ“جبهة البوليساريو”، تختفي حقيقة سكانية صادمة تُفنّد الرواية الرسمية التي طالما استُخدمت لتبرير العداء للمغرب وإدامة نزاع مصطنع حول الصحراء المغربية.
في الواقع، أغلب قاطني هذه المخيمات لا تربطهم أي صلة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، لا جغرافياً ولا تاريخياً. فالقلة القليلة فقط تنحدر من منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، في حين يتكوّن معظم سكان المخيمات من مزيج متنوع من سكان تندوف الأصليين (صحراويي الحمادة) وموريتانيين وآزواد قدموا من شمال مالي. إنها تركيبة بشرية مصطنعة جرى تجميعها على مدى عقود لتضخيم أرقام “اللاجئين” وتغذية سردية الجزائر السياسية أمام الأمم المتحدة.
والمفارقة الكبرى أن هؤلاء “الصحراويين التندوفيين” يعيشون فوق أرضهم التاريخية، داخل الحدود الجزائرية، دون أن يُمنحوا الجنسية الجزائرية، رغم أن النظام نفسه منحها لآخرين سنة 1962. فكيف يمكن للنظام العسكري أن يطالب بـ“تقرير المصير” في أرض مغربية، بينما يرفض منح حقوق المواطنة لأبناء بلده في تندوف؟ أليس الأجدر به أن يطبق مبدأ تقرير المصير داخل أراضيه بدل تصديره إلى الخارج؟
ثم إن التاريخ لا يرحم. فأراضي تندوف نفسها كانت جزءاً من السيادة المغربية حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، ما يعني أن سكانها من أصول مغربية صريحة، قبل أن تقتطع فرنسا المنطقة وتضمها للجزائر الاستعمارية. هذه الحقيقة التاريخية تضع النظام الجزائري في مأزق وجودي، إذ يجد نفسه متورطاً في تزوير جغرافي وبشري في آن واحد.
أما بقية سكان المخيمات، من الموريتانيين والآزواد، فلا علاقة لهم بالصحراء المغربية، ولا يمكنهم بأي حال أن يكونوا طرفاً في نزاع حدودي بين المغرب وجارته الشرقية. إن وجودهم في المخيمات ليس سوى وسيلة لابتزاز المجتمع الدولي والحصول على المساعدات الإنسانية التي تذهب جلها إلى جيوب جنرالات الجزائر وقيادات البوليساريو.
ولعل هذا ما يفسّر الإصرار المرضي للنظام الجزائري على رفض أي إحصاء رسمي لسكان المخيمات. فإجراء بسيط من هذا النوع كفيل بكشف حجم التضليل وعدد “اللاجئين الوهميين” الذين يُستخدمون كوقود سياسي في صراع فقد كل شرعية.
التقديرات الواقعية تشير إلى أن من لهم فعلاً ارتباط تاريخي أو عائلي بالصحراء المغربية لا يتجاوزون عشرين ألف شخص، أغلبهم من قبيلة لبوهيت، وهي فرع من بطون الركيبات المعروفة. أما الغالبية فليست سوى ضحايا تلاعب سياسي وإيديولوجي دام نصف قرن، خُطفت فيه الأجيال بين أسوار المخيمات وأوهام “الدولة الموعودة”.
لقد عاد معظم أبناء الصحراء الحقيقيين منذ التسعينيات إلى وطنهم المغرب، حيث وجدوا التنمية والاستقرار والكرامة. فيما بقيت الجزائر تُتاجر ببقية المحتجزين كأوراق تفاوض وواجهة “إنسانية” تخفي وراءها أطماعاً إقليمية مكشوفة.
اليوم، تقترب لحظة الحقيقة. فالعالم بات يدرك أن “قضية الصحراء” لم تكن يوماً سوى ورقة بيد نظام مأزوم، حاول عبرها التغطية على فشله الداخلي وصراعاته العسكرية والسياسية. أما مسرح تندوف، فقد شارف على إسدال الستار… إذ لم يعد بإمكان النظام الجزائري أن يجدد “رخصة المتاجرة بالبشر”، بعدما انكشف زيف الرواية وانهار قناع “التحرر” أمام واقع الاستغلال والاحتجاز.






