
بقلم: ياسين المصلوحي
يخلّد المغاربة، بفخر واعتزاز كبيرين، الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفّرة، التي تُعدّ معجزة سياسية ودبلوماسية لم يسبق للزمن أن جاد بمثلها.
فقد لبّى المغاربة نداء المغفور له الحسن الثاني، الذي دعا يوم 16 أكتوبر 1975 إلى تنظيم مسيرة سلمية يصل عبرها المغاربة رحمهم مع إخوانهم في الأقاليم الجنوبية، يوم 6 نونبر من السنة نفسها.
جاء قرار ملهم المسيرة الخضراء تفاعلًا مع الرأي الاستشاري الذي قدّمته محكمة العدل الدولية للأمم المتحدة في اليوم نفسه، والذي أكّد أن الأقاليم الجنوبية للمغرب لم تكن أرضًا خلاء، وأن القبائل الصحراوية تربطها أواصر البيعة والولاء بالسلطان المغربي على مرّ العصور.
وفي يوم 6 نونبر 1975، تخطّى 350 ألف مغربي، مسلّحين بالقرآن الكريم والأعلام الوطنية وصور ملك البلاد، الحدود الوهمية التي كان يرسمها المستعمر الإسباني بعدما انسحب من الأراضي المغربية، ممتثلًا للقرار الأممي، وخاضعًا لرغبة وإرادة وعزيمة المغاربة المؤمنين بعدالة قضيتهم.
إن تنظيم المسيرة الخضراء واسترجاع الأقاليم الجنوبية وربط شمال المغرب بجنوبه، لم يكن نقطة وصول أو نتيجة نهائية، وإنما كان فقط نقطة انطلاق في مسيرة تنموية مستمرة عبر الزمن، متواصلة عبر الأجيال، لتكريس مشروعية السيادة المغربية على كل أقاليمه.
وقد تسنّى ذلك بفضل استرجاع أقاليم أخرى مثل وادي الذهب والكويرة سنة 1979، إضافة إلى فتح الباب من طرف المغفور له الحسن الثاني أمام الصحراويين الذين انتسبوا إلى جبهة البوليساريو وواجهوا المغرب، من أجل العودة إلى الوطن في إطار ما عُرف بمبدأ “الوطن غفور رحيم”، في مصالحة سياسية وحقوقية مع أبناء هذه المناطق.
ثم جاء الانتقال إلى مستوى آخر من الاستقلال، تمثّل في تنزيل برامج تنموية عملاقة وتهيئة البنيات التحتية لتدارك ما فات هذه المناطق من مشاريع، وهو ما زال مستمرًّا في عهد الملك محمد السادس، نصره الله، انطلاقًا من النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015، الذي يُعتبر إطارًا استراتيجيًا لتنمية الصحراء المغربية.
ويشمل هذا النموذج مشاريع البنيات التحتية من طرق سريعة، وموانئ اقتصادية وتجارية، وتطوير وتثمين المطارات المتواجدة لتلعب أدوارًا متقدمة في ربط جنوب المغرب بباقي الجهات الأخرى، إضافة إلى مشاريع الطاقات المتجددة عبر محطات الطاقة الريحية والشمسية بالعيون والداخلة وبوجدور وطرفاية، ثم إنشاء وتهيئة المناطق الصناعية، ودعم الصيد البحري، وتحفيز الاستثمار.
خلال خمسين سنة من العمل والكدّ الاقتصادي والدبلوماسي، شاءت إرادة الله أن تتوَّج هذه المسيرة، في الأسبوع نفسه الذي يحتفل فيه المغاربة بهذه المناسبة، بانتصار دبلوماسي باهر، بعد إصدار مجلس الأمن قرارًا يعتمد مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية كحلٍّ وحيد للأزمة مع جبهة البوليساريو.
إن المسيرة الخضراء، التي أعطى انطلاقتها الحسن الثاني، طيّب الله ثراه، لم تنتهِ بتخطّي الحدود الوهمية للأقاليم الصحراوية، وإنما لا تزال مستمرّة في الزمن، مكتملة بمسار تنموي وتقدّمي يقوده محمد السادس، نصره الله، ينتقل بالدولة المغربية كلها نحو مصافّ الدول الصاعدة والمتطورة، لتلعب دورها الريادي على المستويين الإقليمي والعالمي، سواء مع الدول العربية أو دول الساحل والأطلسي.
وفي انتظار تحيين مقترح الحكم الذاتي وتفصيله، سيُحوَّل من رؤية سياسية ودبلوماسية إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، تستجيب للتطلعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأقاليم الجنوبية في ظل السيادة المغربية.






