مال وأعمال

الاقتصاد الجزائري يئن تحت وطأة ستة أشهر من الاضطرابات

من الناحية الظاهرية، يبدو أن الاقتصاد الجزائري الذي تهيمن عليه الدولة، خرج سالمًا من الاضطرابات التي شهدتها البلاد على مدار ستة أشهر، إذ تنطلق الطائرات بالعاملين في القطاع العام لقضاء إجازاتهم في الخارج، رغم أن المحتجين الذي أطاحوا بالرئيس المخضرم في أبريل، ما زالوا يستهدفون حلفاءه.

غير أن سير العمل والترفيه كما جرت العادة لجيش العاملين في الدولة، يخفي مشكلة اقتصادية متنامية وراء التوتر القائم بين النخب في المؤسسات السياسية والعمالية والعسكرية وقطاع الأعمال من جهة، ومن عقدوا العزم على إبعادهم عن الصورة.

وما زالت موارد البلاد من النفط والغاز تتدفق، غير أن آلاف الوظائف أصبحت عرضة للخطر، كما أن النمو بدأ يتعثر في الاقتصاد الجزائري، إذ توضح البيانات الرسمية أن واحدًا من كل أربعة مواطنين دون سن الثلاثين عاطل عن العمل. وتشكل هذه الفئة العمرية 70% من سكان البلاد.

وفي أعقاب استقالة عبد العزيز بوتفليقة في أبريل، جرى تعيين رئيس مؤقت تحت إشراف الجيش، وبدأت تحقيقات الفساد مع بعض من كانوا يحيطون بالزعيم السابق.

وكان حبس أباطرة الأعمال المقربين من بوتفليقة مطلبًا رئيسًا من مطالب المحتجين. لكن بينما تسير التحقيقات في مسارها البطيء، يكاد الشلل يصيب خمس شركات كبرى في قطاعات من السكر إلى السيارات، إذ يواجه أصحابها صعوبات في توقيع شيكات الأجور أو طلب استيراد المواد الخام، وذلك لأن حساباتهم المصرفية مجمدة.

ويقول مالك، وهو واحد من 15 ألف موظف يعملون لدى رجل الأعمال المعتقل علي حداد، إنه فُصل أخيرًا من عمله كصحفي لدى تلفزيون دزاير. طالبًا عدم نشر بقية اسمه خوفًا من التداعيات ”قال لي المديرون إنه لم تعد هناك أي أموال أخرى متاحة“.

وينفي حداد ارتكاب أي مخالفات، وتقول الحكومة المؤقتة إنها ستبحث عن وسيلة لصون الوظائف، غير أن مئات من العاملين لدى حداد انضموا لصفوف عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين يتجمعون كل أسبوع في العاصمة الجزائر بعد أن انقضت ثلاثة أشهر دون صرف الأجور.

وتأجل إجراء انتخابات لاختيار خليفة لبوتفليقة إلى أجل غير مسمى، رغم الحوار بين أحزاب المعارضة والحكومة غير الحزبية، الذي يديره قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

وللحد من مزيد من الاحتجاجات، أحجمت الحكومة المؤقتة عن إصلاحات مزمعة بدأ تنفيذها قرب نهاية حكم بوتفليقة الذي استمر 20 عامًا، من أجل إنهاء العمل تدريجيًّا بالدعم الحكومي، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار، وخلق مزيد من الوظائف خارج المؤسسات العامة المترهلة.

وتجمد العمل على قانون جديد للطاقة يهدف لتقليل البيروقراطية، وبدأ القلق يتنامي داخل شركة ”سوناطراك“ الوطنية الضخمة للطاقة، والتي تأمل في زيادة الإنتاج بالتعاون مع شركات النفط العالمية الكبرى.

وقال مصدر في ”سوناطراك”: إن ”الإنتاج مستمر في سوناطراك، لكن كل ما عداه مجمد تمامًا بما في ذلك المحادثات مع إكسون وشيفرون“. وطلب المصدر عدم نشر اسمه لحساسية الوضع السياسي. وامتنعت ”إكسون“ عن التعقيب، ولم يتسن حتى الآن الاتصال بشركة ”شيفرون“.

ويتعين لأي صفقة مع شركة أجنبية حساسية خاصة في الجزائر، أن تحصل على دعم رئيس دائم لا رئيس مؤقت. وقال المصدر إنه ”ليس من الواضح متى قد تستأنف المحادثات“.

وأضاف ان ”الرؤية غائبة في الأجل القريب، لأن العوامل السياسية لا الاقتصادية هي التي تتصدر جدول الأعمال في الوقت الحالي“. ولم يتسن الاتصال بالمتحدث باسم الشركة للتعليق.

وتعتبر الجزائر من كبار موردي الغاز، وهي شريك أمني لأوروبا في منطقة متقلبة تشهد زيادة في نشاط المتطرفين الإسلاميين في غرب أفريقيا، كما أن في ليبيا الواقعة شرقي الجزائر حكومتين متنافستين تتقاتلان على السيطرة على البلاد.

ولم تصدر الحكومة أي توقعات للنمو هذا العام، لكن عبدالرحمن عية، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، يقول: إن ”الاضطرابات ستقتطع نقطة مئوية كاملة من نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام الذي بلغ 2.3% في 2018، وربما تسوء الحال كثيرًا عن ذلك“.

وأضاف ”ليس بوسع أحد الآن أن يتصور ضخامة المشكلة الاقتصادية“.

لا استراتيجية؟

وجاء سقوط بوتفليقة في وقت بدأت فيه السلطات محاولة إقناع المواطنين بأن دولة الرفاه، التي توفر لمواطنيها وظائف غير منتجة بالدولة، وتضمن رخص المسكن والوقود والغذاء والدواء والرعاية الصحية المجانية، لم تعد قابلة للاستمرار.

ويدر النفط والغاز 94% من إيرادات التصدير و60% من ميزانية الدولة، لكن إيرادات القطاع انخفضت بنسبة 6.3% إلى 17.65 مليار دولار في الفترة من يناير إلى يونيو، إذ عمل استهلاك الطاقة المتزايد على تناقص الصادرات.

وتوفر الواردات السنوية التي يبلغ متوسط قيمتها 50 مليار دولار، أغلب احتياجات الجزائر.

وأوضحت البيانات الجمركية أن العجز التجاري ارتفع بنسبة 12% في النصف الأول من العام الجاري.

وكتب المستشار الاقتصادي السابق للحكومة، عبد الحق لعميري، في صحيفة ”الوطن“ قائلًا: ”كل شيء يشير فيما يبدو إلى أن البلاد تشهد فترة طويلة من الغموض الاقتصادي.. الحكومة لا تملك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرارات الإستراتيجية“.

وقال عضو اللجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، الخبير الاقتصادي هواري تغرسي، إن ”المستثمرين متخوفون، وإن القدرات الإنتاجية المحلية خارج قطاع الطاقة انخفضت بنسبة 50%“.

وأضاف ”إذا استمرت الأزمة فلن نشهد فقط انخفاضًا في النمو، بل إن الاقتصاد سيواجه كارثة“.

وقاوم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح دعوات للاستقالة أطلقها المحتجون الذين يرون فيه رمزًا من رموز النظام القديم. وهو يقول إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو إجراء الانتخابات ”بأسرع ما يمكن“.

سيارات

تعهدت الجزائر بتطوير صناعة السيارات، لكنها قلصت حصص مكونات السيارات المستوردة لخطوط تجميع السيارات الخاصة، وذلك بعد أن ارتفعت فاتورتها بمقدار الخمس إلى 1.234 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.

ويحصل المستوردون على العملة الأجنبية اللازمة لتمويل نشاطهم من بنوك الدولة.

وانخفضت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بمقدار 7.28 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية لتصل إلى 72.6 مليار دولار. وكانت الاحتياطيات بلغت 178 مليار دولار في 2014 عندما بلغت أسعار النفط الخام 100 دولار للبرميل.

وقالت وزيرة الصناعة جميلة تمازيرت للصحفيين، إن“ تخفيض الحصص مجرد إجراء مؤقت لتعديل ميزان المدفوعات، وتصحيح الحوافز الموجهة لقطاع السيارات“.

وتعمل أربع شركات خاصة في مجال تجميع السيارات الآن على خفض الإنتاج، وذلك رغم الطلب المتنامي من سكان البلاد البالغ عددهم 43 مليون نسمة، وهو ما قد يرفع أسعار السيارات المستعملة.

وعلقت شركة ”سوفاك“ العائلية التي تدير مصنعًا لتجميع السيارات مع ”فولكسفاغن“ الألمانية الطلبات في العام الجاري. ويجري التحقيق مع مراد عولمي رئيس ”سوفاك“، في إطار تحقيقات الفساد، لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفات.

وقالت وسائل إعلام رسمية إن شركة ”طحكوت“ منحت حوالي 800 عامل في خط تجميع سيارات ”هيونداي“ إجازات إجبارية في يوليوز، بسبب نقص المواد الخام.

ورغم فتح قطاعات مثل المواد الغذائية والأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة أمام الشركات الخاصة، فقد سجلت القطاعات غير النفطية نموًا بنسبة 4% فقط ارتفاعًا من 2.2% في العام السابق.

وفي غضون ذلك، فإن البيروقراطية متفشية ولا تملك بنوك الدولة المهيمنة خبرات تذكر في عمليات الإقراض التجاري.

وتوقف العمل في خط للسكك الحديدية طوله 185 كيلومترًا، وأُرغم حوالي 200 موظف على أخذ إجازات إجبارية بسبب ”نقص السيولة“. وكان هذا المشروع يخص ”حداد“ الحليف المعتقل لبوتفليقة.

وقال وزير المالية الجزائري، محمد لوكال، لوكالة الأنباء الجزائرية، إن ”الحكومة تعمل على إيجاد حلول قانونية لهذه الشركات“. وأضاف أنه يطمئن العاملين على أن أدوات الإنتاج والوظائف بهذه الشركات ستصان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى