غير مصنف

شَعْبٌ أم مُجْتَمع !؟

صلاح بوسريف

ثمَّة ما هو أكبر من الحزب والدولة نفسهيما، إنه المجتمع. الحزب موجود بالمجتمع، كما الدولة موجودة بالمجتمع، فهما معا، وُجِدا من أجل المجتمع، لا المجتمع وُجِد من أجلهما. أعني بالمجتمع، مجموع الطبقات، بكل تبايُناتِها، وبكل ما بينها من فوارق في المعاش، وفي الانتماء الفكري، أو الأيديولوجي بالأحرى، إذا كان هناك، فعلاً، انتماء فكري لهذه الطبقات، أو قناعات، هي ما يمكن اعتباره اختياراتها ورؤيتها للواقع.

حين يصير الحزب، قبيلة مغلقة على ذاتها، تكتفي بمن فيها من أعيان، وتنتقي من يكون في هذا المنصب أو ذاك، وتصبح السياسة هي السلطة، وهي بلوغ مواقع القرار، لا برنامج، ولا أفق ولا طريق، لا من يفكر ويُدَبِّر ويُدير، كل شيء يُدار بحكم العادة، كما الماء يجري نحو المصبّ، فالحزب يكون خارج المجتمع، دوره، فقط، هو العمل على توظيف المجتمع لخدمة الجماعة والقبيلة، ولخدمة مصالحها، والثمن هو تسخير المجتمع لخيانة الشعب، والانقلاب عليه، بكل ما يمكن من وسائل، خصوصاً إذا كان هذا المجتمع، الأمية مُسْتَشْرِيّة فيه، وكانتْ بَوادِيه هي ما يحكم مُدُنَه، ويُقَرِّر مصائرها.

أما الدولة، فهي، في أساس وجودها، خرجت من المجتمع، ومن طبقاته المختلفة، مَنْ مع الدولة، ومن ضدها. فالبرلمان، وُجِدَ، ليدافع عن مصالح من صَوَّتُوا له، ويحميهم من هيمنة الدولة، من برامجها التي غالباً ما تكون في غير صالح الفئات الاجتماعية المقهورة، والتي تحيا وتعيش على الكفاف، فللدولة حساباتُها، لذلك تسعى، بكل مؤسساتها، أن تكون هي من يُدير الرَّحَى، لأن عصا الرَّحى في يدها. وإذا كان البرلمان، هو مجموع الأحزاب التي تشكل الأغلبية، وهي التي تتولَّى تدبير الشأن العام، فالمجتمع، وأنا لا أريد أن أستعمل هنا كلمة الشَّعب، لأنَّ المجتمع هي كلمة جاءت من الاجتماع والتلاقي والتوحُّد، رغم التمايزات والفوارق الطبقية، والشعب وفق ما أذهب إليه، هو نسيج كثير التشابكات، خيوطه بعضها يلتبس ببعض، ولا نستطيع تفكيكها، لأنَّ المُجْتَمَع، بل والمُجْتَمِع، هو ما يقبل أن نُبَدِّدَه ونُفَرِّقَه، ونرمي به في الريح، كما تُرْمَى حبات القمح في التربة.

هل نحن، وفق هذا المعنى شعب، نسيج واحد متلاحم على مستوى الوعي والرؤية والقرار، أم نحن مجتمع؟ بل نحن مجتمع، بمعنى أننا خضعنا للتبَدُّد، وأصبحنا قابلينا للتفرقة، ما جعل الحزب، يغتنم هذا التشتت، وينظر إلينا كسوق للتَّبَضُّع، ولاستجلاب الأصوات واستعمالها لبلوغ درجات السُّلَم العُليا. وهو نفسه ما تفعله الدولة، لأنها تعمل على الإمساك بالسُّلَم من أعلى، حتَّى لا يسقط ويتهاوى متسلقوه، أو تجرفهم ريح ما، لأن هؤلاء، هم من تستعملهم الدولة لتنفيذ قراراتها، وتحويلهم إلى آلة في يدها. وهنا، العتَب ليس على الدولة، بل على الحزب الذي ترك خلفه التزاماته ومواقفه، وترك اختياراته الفكرية والسياسية، وبرامجه، وشرع في العمل ببرنامج الدولة الذي وجَدَه موضوعاً فوق الطاولة، ما إن تسلَّم مهامه.

المشكلة، في جوهرها، هي مشكلة أحزاب، لا مشكلة دولة، لأن الأحزاب حين تضعف، وعينها تكون على المناصب والكراسي، لا على مصالح الناس، الذين هم الشعب، أي من أوصلوهم إلى مناصب القرار، فهي تكون السبب الرئيس في خروجنا من وضع الشعب، إلى وضع المجتمع، أو ما يقبل التفكك والتشتُّت والتبديد.

هذا هو الواقع الذي نحن فيه، أحزابنا لم تعرف بعد هي مع من، كما أنها لم تدرك أنَّ الذي يمسك السُّلَّم من الأسفل، هو من يحمي صعودهم، لا من يمسكه من أعلى، لأن الذي في أعلى السلم، يستطيع إلقاءه بمن فيه، متى بدا له أن هناك ما يهدد مصالحه، أو يريد أن يكون هو من يمسك السٍّلم من فوق. ثمة، إذن، معادلة جديدة جرت في مفاهيمنا التي نستعملها، بين أن نكون شعباً، وبين أن نصير مجتمعاً، وعلينا أن ننظر إلى ما جرى في تونس، في شعار «الشعب يريد» أُفْرِغ بالكامل من معناه، وصارت فئة من المجتمع هي من تُقرِّر وتُريد، وهذا هو حاصل المعادلة في كل دولنا العربية، التي هي دول، الشعب فيها، صار فئة من المجتمع، سمِّها ما تريد، هي من تقود الجميع، وهي فئة بكل الألوان، ولا لون لها، وبكل الطُّعوم، ولا طعم لها، لذلك لا نستطيع تسميتها شعباً، فهذا نتركه لمن ما زال يعتبر أن الشعوب هي من تقرر مصيرها…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى