الدين والحياة

عالم الافتراض لا يوثق بجماله

إن ما يحدث في الواقع تمامًا مختلف عما يُنقل ويجري في الافتراض، لقد أصبحت الرتوشات والتعديلات السارية على الصور، تشكك من حقيقة الأصل الذي نعرفه في الواقع؛ حيث إننا الآن نستطيع اقتحام دائرة التعديل والتغيير والتجميل والإضافات بشتى الأشكال والألوان.

عادةً ما نرى أشخاصًا يضعون صورًا لهم من نوع "سيلفي" أو غيرها على إحدى صفحاتهم الخاصة، لكنها لا تحمل أماراتهم وعلاماتهم التي تُميزهم، إنهم أشخاص يتمتعون بوسامة معدَّلة.

أُحس حينما نقوم بمثل هذه التعديلات المرضية للنفس والخادعة للغير، أننا نشوِّه سمعتنا بطرق غير مباشرة، تمس الأصل الذي خلَقنا به منذ البداية، ناهيك عن تلك الطائفة الخطيرة التي يصل بها المطاف إلى تغيير جنسها كليًّا على إحدى قوائم البرامج المعدلة التي يراد بها في الغالب العبثُ بصور الغافلين الذين أخذ منهم اللهو فسحة لإتلافهم وإزاحتهم عن الحقيقة، لدرجة أننا قد أصبحنا مولعين بالتزييف والتصرف في صورنا بطرق وحشية، تجعلنا نطلق القهقهات على إحدى هذه الصور التي قمنا بتشويه ملامح أصحابها.

لا يقف ذلك على حيز واحد فقط، بل تطاول إلى أن بلغ منزلة الكذب من أجل الزواج، أو ما قد نسميه إن شئنا بضحايا الحب الإلكتروني، إنهم أولئك المنشغلون بالنقر والتصفح وتتبُّع الصور، فحينما تألف هذه الذات التائهة المكان، فإنها بشكل مباشر تزيل الواقعية من عالمها، وتجعل من الافتراض واقعًا مرضيًّا لها.

إن مثل هذه النماذج عندما تقع في حب شخص ما على النت، فإنها تقبله بكل رتوشاته وتعديلاته وإضافاته التي كان يظهر بها لا سلكيًّا، قبل أن تراه في حقيقته المؤلمة التي لا رجوع بعدها.

إن ما يدعونا للاهتمام بهذا الجانب للصورة المعدَّلة، هو فِقدان الصور لجودتها الطبيعية، القائمة على الحقيقة، والمقارِبة للواقعية، لم نقل: مطابقة؛ لأنها مجرد صورة ملتقطة عن الأصل فقط، لقد تقمَّصت هذه الصور أقمصة التعديل المضلل الخادع الذي يسعى من خلاله الشخص المعدِّل إلى إخضاع الآخرين للإعجاب والاستمتاع بجمالها المضاف الخالي من الواقعية.

يرجع أمر تفشِّي كل ذلك إلى كون البعض من الناس فيما بعد الثورة التكنولوجية مولعين بتزييف الجمال الطبيعي، وجعله يرتدي ثوبًا جماليًّا محشوًّا بالإضافات التي تنقله مباشرة إلى عالم الافتراض الذي أفقد الواقعي مكانته داخل البؤرة الاجتماعية.

في خِضَمِّ هذا الصرح التعبيري، فإننا لو قمنا بمقارنة بسيطة بين الصورة التي تزف بها إلى عالم الافتراض، وبين صورتك في الواقع دون التقاط، لوجدنا اختلافًا شاسعًا بينهما.

لقد فقد الواقعي سُمعته الطبيعية التي كانت تُبنى بنوعٍ من الصحة والحقيقة، إننا ونحن نشوِّهُ أنفسنا بداعي التزيين أو التجميل، فما نحن إلا مخربون لِما أوتينا به من جمال في خلقتنا.

إن الأناقة ليست هي الخداع بالتعديل والفوتوشوب، إنما هي الظهور بشكل أنيق، لكن بصفة طبيعية تحقن سمعتك في نفس كل من يقصدك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى