القيم في مرحلة البلوغ
يتضمن المنهج الإسلامي نظامًا متكاملًا للحياة الإنسانية بصفة عامة في كل تصرفات الإنسان وسلوكه، فقد وضح المصالح التي عليه أن يسلكها والمفاسد التي عليه أن يتجنبها، وأظهر كل دقائق الحياة التربوية والاجتماعية للفرد والمجتمع، فالدين الإسلامي دين قِيمٍ وضوابط سلوكية مادية ومعنوية، وتعتبر القيم بجانبها الإيجابي والسلبي محددات لسلوك الأفراد والجماعات. كما وضحنا ذلك في المبحث الأول من تعريق القيم وأسسها ووظائفها.
وما أحوج النشء في واقعنا المعاصر إلى التربية القيمية الإسلامية، من خلال المناهج والأنشطة داخل المدارس والجامعات، وما أحوج شباب المجتمعات الإسلامية في الحاضر إلى من يوجِّههم، ويرشدهم نحو الالتزام بالمبادئ والقيم عن طريق الأسرة، ثم يكون الدعم وتعهُّد الغرس بالعناية من خلال المؤسسات التربوية ووسائل الإعلام؛ إذ إن تعزيز القيم يدخل ضمن الأهداف الأساسية للمؤسسات التربوية، فالمدارس لها دورٌ فعالٌ في الحفاظ على القيم، فلا تقتصر فقط على التوجيه والإرشاد والتعلم، بل لا بد من تطبيق القيم التربوية داخل المؤسسات التربوية، وكذلك غرسها في نفوس النشء؛ حتى يتم الأخذ بها في الحياة العملية فيما بعد.
ولقد أكدت بعض الدراسات ضرورة معرفة القيم لدى طلاب الصف الثالث المتوسط، ومدى تعزيز المقررات لهذه القيم، ويذكر كل من خليل [2002]، ودراسة [Ethel 2009] عددًا من القيم من بينها التصنيف العيني الذي يتناول أبعاد الشخصية المسلمة، وذلك لتوضيح أهمية القيم وغرسها في نفوس الطلاب، فالقيم تزكِّي النفس وتهذبها، وتنظم حياة الطلاب، وتساعدهم على التوافق والتكيف مع المجتمع، وعدم المعرفة بالقيم يؤدي إلى التورط في أعمال تعود عليهم بالندم، ولذلك تركز المؤسسات التربوية على تزويد المتعلمين بالقيم، ولقد أوصت دراسة فاطمة باجابر [1436هـ] بضرورة إعادة النظر في اختيار القيم بما يتناسب مع خصائص المرحلة العمرية، وتحديات العصر وواقع المجتمع وتطوراته، وضرورة زيادة وعي المعلم بأهمية القيم بمختلف أبعادها وتصنيفها؛ لتكون جزءًا من مهامه أثناء التدريس يركز على غرسها في نفوس الناشئة.
فتعد مرحلة البلوغ من أهم مراحل حياة الإنسان؛ لأنها السن الذي يتحدد فيها مستقبله إلى حد كبير، وهي الفترة التي يمر فيها بكثير من الصعوبات، أو يعاني من الصراعات والقلق، ويمكن أن ينجرف الفرد في هذا السن إذا لم يجد من لا يأخذ بيده، ويعاونه في تخطي هذه العقبات، وعلى ذلك فإن الرعاية والاهتمام بالناشئ من أوجب المطالب التربوية.
حيث يشكِّل الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة فترة حرجة يُمكن استغلالها من قِبَل المربين لتهيئة الناشئة في مرحلة البلوغ اجتماعيًّا، كما تعتبر هذه المرحلة همزة وصل بين مرحلة البلوغ المبكرة والمتأخرة، علمًا بأنه لا يمكن وضع خط فاصل بين مراحل العمر المختلفة، إلا أن أبرز ما تمتاز به هذه المرحلة يتمثل في استيقاظ إحساس الفرد بذاته وكيانه، وفي ظهور القدرات الخاصة لديه.