غير مصنف

هل يتجاوز البيجيدي مخاض التحديث بالمزيد من الانفتاح؟

لا مجال للمقارنة بين حزب العدالة والتنمية الذي خرج في مواجهة خطة إدماج المرأة في التنمية وحزب العدالة والتنمية الذي أقر على لسان أمينه العام قبل بضعة أيام بضرورة قبول تقنين الإجهاض. ولا مقارنة بين الإسلاميين الذين كانوا قبل سنوات قليلة يعترضون على مصطلح "الأمهات العازبات" وأولئك الذين يدافعون اليوم عن الاعتراف بالحريات الفردية. بين هذين الصنفين مسافة طويلة قطعها الحزب الإسلامي الحاكم غير فيها الكثير من قناعاته ولين العديد من مواقفه، ليدافع سعد الدين العثماني يوم السبت الماضي عن توجه الحكومة نحو تعديل القانون الجنائي ورفع القيود عن الإجهاض في بعض الحالات.

وأمام أنصار حزبه بالرباط أكد العثماني أن الموقف من إباحة الإجهاض حُسم بشكل نهائي، ولا يمكن إعادة النقاش حول الموضوع إلى نقطة الصفر. وأضاف العثماني "البعض يحاول أن يعيد النقاش إلى بدايته، وهذا ليس إيجابيا، لا يجب أن نتحلل مما اتفقنا عليه، ولن نسمح بذلك"، متابعا "كان هناك حوار وطني حول موضوع الإجهاض (قبل أربع سنوات ونصف)، وأقر الملك محمد السادس توصيات لجنة خاصة أشرفت على الحوار أُدرجت في مشروع القانون الجنائي".

وقبل سنوات قليلة فقط كان مجرد طرح موضوع الإجهاض يثير حساسية كبيرة لدى أعضاء الحزب خصوصا خلال الفترة التي كان فيها في المعارضة ولم يحتك بعد بالعمل الحكومي. وكان الحزب خلال تلك الفترة يؤسس خطابه السياسي على فكرة "الدفاع عن المرجعية الإسلامية" مما جعله في عدد من المناسبات يصطدم بالتيارات الحزبية التقدمية وخصوصا اليسارية في قضايا اجتماعية كان أشهرها الصراع حول مدونة الأسرة.

هذا الانفتاح النسبي الذي يعرفه الحزب خصوصا في قضايا الهوية التي يحاول التشبث بها دفاعا عن شعبيته المتآكلة، يعود بالأساس إلى ما يسميه المفكر المغربي محمد سبيلا ب"الارتطام بالسلطة" إذ أن إكراهات العمل الحكومي والتزامات التدبير ومسؤولياته كثيرا ما تدفع الأحزاب السياسية إلى التراجع عن بعض ثوابتها وإعادة مراجعة خطاباتها بل ومرجعياتها أحيانا. لقد كان هذا هو الحال بالنسبة لتجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد توليه رئاسة حكومة التناوب عندما أشرف الاشتراكيون حينها على أكبر عمليات الخوصصة التي عرفها تاريخ المغرب في ظل مسؤوليات وزير المالية فتح الله ولعلو في تناقض واضح مع الرؤية الاقتصادية التي كان يدافع عنها إبان فترة المعارضة.

ومن الواضح أن وتيرة انفتاح البيجيدي في قضايا الهوية والمرجعيات تسارعت في الآونة الأخيرة خصوصا بعد تواري رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران وظهور بعض بذور الانشقاق والخلافات الداخلية. كما أن القضايا الأخلاقية الشخصية التي تفجرت خلال العام الماضي بخصوص بعض قيادات الحزب كالوزير محمد يتيم والنائبة أمينة ماء العينين فسرت جانبا من هذا الانفتاح الذي يسير الحزب باتجاهه. فالظاهر أن التناقض الذي يعيشه بعض أعضائه بين الخطاب المروج له وبين الممارسة والحياة اليومية يفرض عليه المزيد من الوضوح ومحاولة الخروج من حالة الخطاب المزدوج.

هذه المحاولة هي التي تجسدها النائبة آمنة ماء العينين بقوة، وهي التي عاشت قبل فترة في قلب زوبعة إعلامية عقب ظهور صور شخصية لها سافرة بدون حجاب.

وفي إطار هذه المحاولة لحسم النقاش الداخلي في الحزب قالت آمنة ماء العينين مؤخرا إن القوانين المقيدة للحريات الفريدة هي آخر معاقل التناقض بين “الكتلة الحداثية” و”الكتلة المحافظة”، مشيرة إلى أن “أي توافق حول تدبيرها سيجعل الكتلتين تتحدان لخوض المعركة الكبرى: معركة الديمقراطية والكرامة والتنمية، ولا شك أن هذا التقارب، لا ينظر إليه دائما بعين الرضا من المعادين المبدئيين للديمقراطية”. وانتقدت ماء العينين المحافظين داخل قاعدة الحزب ممن يعتبرون أن نقاش القوانين، المتعلق بحماية الحياة الخاصة مؤامرة على الدين والتدين لتحويل هوية المجتمع، ودفعه إلى التفسخ والانحلال، مشيرة إلى أن “الدين لم يكن يوما نصيرا للتجسس والتعقب واقتحام الفضاءات الخاصة ما دام أصحابها اختاروا احترام المجتمع، وعدم استفزازه، وهو ما يفسر الشروط القاسية، التي وضعها الدين نفسه لإثبات مثل هذه الوقائع، حماية للمجتمع وليس انتهاكا للخلوات، وتبني منطق الفضيحة والتشهير والقذف الذي حرمه الدين”. هذا الخطاب الجريء الغريب في الوقت نفسه على تاريخ الحزب ومرجعيته يؤكد أن هناك مخاضا بلغ أوجه داخل الحزب الحاكم، فهل ينتهي بحسم قضية التحديث حسما نهائيا؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى