الطموح بين سمادير الأحلام وصدمات الواقع!
يُولَد الإنسان في هذه الدنيا ورقةً بيضاء، لا يشوبها كدرٌ، ولا يعتريها دَنسٌ؛ ففي تلك السن المبكرة يتحرَّك وَفْقًا لقانون الغرائز والمنعكسات؛ ليبقى كذلك إلى أن يبدأ يَعقِل الأشياء، فيُفرِّق عندها بين الخير والشر، والضار والنافع، والحسن والسيئ من الأشياء، وتكون معرفة التباين بين هذه الأشياء بقدر قوة المعلم الذي علَّمه، وبقدر تأثير المحيط الخارجي عليه سلبًا وإيجابًا.
فتبدأ تتكوَّن لديه ثلاثة أمور: شخصيَّته، مبادئه، وعقيدته.
فتظهر شخصيَّتُه من خلال المواقف التي يتعرَّض لها في مسلسل الحياة، فتُكسِبه تلك المواقف تجاربَ، هي النتيجة الحتميَّة لكل عملٍ أقدم على فعله.
أما المبادئ، فهي الأساسيات التي تقوم في النفس مقام الدستور في الدولة، فهو مؤسسة لتكون الرادع لأي خللٍ أو تجاوز؛ ولا تكون قوةُ تمسُّك المرء بمبادئه سوى بقدرِ قوة وضعْف كل من العامِلَين: شخصيته واعتقاده.
أما العقيدة (في الإطار العام)، فهي تلك المسلَّمات التي ترسُمها الحياة في قلب كل إنسان، وهي – على غرار المبادئ – قابلة للتغيير بحكم الدليل ليثبت صحتها أو بُطلانها.
إلى جانب كل هذا، يوجد عنصر رابع، هو ذاتُهُ العنصر الذي يرفع من هذه الثلاثة التي ذكرنا أو يحطّها، وهو الميدان الفسيح الذي يسمى: "المعرفة"، التي هي غذاء العقل، ومصل القلب، ووقود الروح.
ولا يُعقل من امرئ – مهما كان دينه أو لونه أو منبته – أن يُقبل على ميدان – إما عالمًا أو متعلمًا – وليس في صدره تلك الشعلة التي تُدعى "الطموح"؛ فالطموح هو من يجرجر المرء إلى أهدافه جرًّا؛ لينال المكافأة والمنصب والذكر الحسن؛ فالإنسان الذي لا طموح له إنسانٌ هالك لا محالة؛ هو – في الدنيا – مجرد عنصر ماص أو بالأحرى صفر على اليسار لا قيمة له، فقد قيل: "قيمة كل امرئ فيما كان يُحسِنه"، وأقول غير مُتلجلِج مضيفًا إلى ذلك القول البليغ: "وقيمتُه أيضًا فيما يصبو هو إليه".
فالطموح للأحسن مهمة وسبيل كل إنسان في هذه الحياة، فهو يرتكِز على أشياء عدة تحفظ ديمومته واستمراره، كأن يكون الإنسان مُفعمًا بالأمل، وأن تكون عقيدته صحيحة في أن يَصِل إلى ما يصبو إليه، وأن يَثِق فيما يفعل ومع مَن يتعامل، وأن يَصبِر على الأذى فيما يُقدِّم من جديد أو يصلح من قديم، وأن يستفيد من كل محاولة فاشلة، ويُسميها تجرِبة، ويعود ليحاول من جديد، لا يخلو أي ميدان من العراقيل، وقد يؤتى المرء من الظروف كما قد يؤتى من الناس، وفي كليهما يُشكِّل العجز عن تحقيق المراد عائقًا، وليس شيء أعتى من كلِّ ما ذكرنا من المثبطات كالعزيمة الفولاذية، فقد قيل: "العواصف تَقتلِع الأشجار السامقة، وتُداعِب الأعشاب"، فكُنْ مرنًا في قراع الخطوب، ومواكبة المشاكل، ولا تيئس؛ فاحتمال الفشل واردٌ، واحتمال النجاح كذلك وارد، لكن قبل المحاولة هذه الحسابات ما هي إلا ضربة لازب؛ فما دام الفشل على أقصى تقدير هو لَبِنة صُلبة يُبنى عليها جسر النجاح، فسأَفشَل قَدْر المستطاع؛ فقط لأُزيل عني كلَّ احتمالات الخطأ، ولن يبقى بعدها سوى احتمال واحد ووحيد: "النجاح المؤكد".