ضريبة البحث العلمي !!؟
صلاح بوسريف
عندنا، الثقافة تُعاني، في تدبيرها، من أعطاب كثيرة، لأنَّ الدولة، لم تفكر قَطُّ، في سَنِّ سياسة ثقافية هي ما يُدِيرُ القِطَاع ويُوَجِّهُهُ، ويجعل الالتزمات فيه واضحة، من طرف كل المَعْنِيِّين بقطاع الثقافة، كما أنَّ هذه السِّياسَة، لها ثوابتها، كما لها مُتَغَيِّراتُها، ولها برامجها التي تقبل الإضافة والتوسيع، كما تقبل اقتراح أفكار جديدة، وتَحْيينِها، وفق ما يجري من متغيرات في مفهوم الثقافة، من جهة، وفي طبيعة الأنشطة المرافقة لها، وما تتطلبه من إمكانات مادية ولوجستية، ومن إمكانات بشرية وبنيات تحتية تكون مُؤَهَّلَة لاستيعاب هذه البرامج والأنشطة والفعاليات، لأنَّ أفق هذه السياسة، هو أفق اجتماعي تنمويّ، يذهب إلى الإنسان، ويَصُبُّ، في كُل القطاعات ذات الصلة بالثقافة والقراءة والبحث العلمي.
في فرنسا، مثلاً، هذه السياسة موجودة، وأصبحت بين أهم ما تحرص الدولة على توسيعه، والاهتمام به كأولوية، وكقطاع تنمويّ، يُساهِم في الاقتصاد الوطني، وفي تنشيط السياحة، وترويج سوق الكتاب والنشر والقراءة، والمعاهد الموسيقية والفنية، والمسارح، وقاعات السينما، والفضاءات العامة التي تحفل بكثير من مظاهر الفن والثقافة والجمال، ما انعكس على الهوية الوطنية والدولية لفرنسا، وجعلها بين أكبر الدول استقبالاً للسياح من دول العالم قاطبة، والسبب، هو الثقافة، بمعناها الواسع والشامل الذي لم ننتبه إليه في المغرب، وما زلنا نعتبرها ثانوية غير منتجة، وليست بأهمية غيرها من القطاعات التي تُضَخّ فيها أموال وجهود كبيرة، دون فائدة، ودون تصور واضح لِما نريده من هذه القطاعات، وأكتفي بأزمة التعليم، وما يعرفه من اختناق وتَرَدٍّ لا مثيل لهما في تاريخ المدرسة المغربية.
في مُقابل هذا الوضع البئيس، الذي نزدري فيه الإنسان، لأننا حين نزدري الثقافة أو نضعها جانباً، فنحن نبخس قيمة الإنسان، ونبخس قيمة وجودنا على الأرض، نبخس العقل والخيال البشريين، ونُعَطِّل صيرورة المجتمع، لأنن مجتمعاً بدون ثقافة ومعرفة وجمال، هو مجتمعٌ الإنسان فيه قابل لأن يكون أي شيء، إلا أن يكون إنساناً، بالمعنى الذي يجعله مشاركاً في بناء المجتمع، وفي إبداع واختلاق واقتراح الأفكار، وفي أن يكون إنساناً بالمعنى المدينيّ الحضاري، أو بالمعنى الثقافي الجمالي الذي هو شرط أي تنمية وتقدم وازدهار.
هذا البؤس في النظر إلى الثقافة والإنسان، هو ما أدَّى بالحكومة إلى اقتراح فرض ضريبة على البحث العلمي، وما أدَّى بمنتخبي الأمة ممن يُفْتَرَض فيهم الدِّفاع عن مصالح الشعب، لأنهم يوجدون في البرلمان بفضل الشعب، لا بفضل الدولة، وبالثقة التي وضعها فيهم من انتخبوهم من هذا الشعب، أن يُصَوِّتُوا لصالح اقتراح الحكومة ضدَّ الجامعة، بل ضد البحث العلمي، وضد الثقافة والمعرفة، وضد فكر وعقل وخيال وحرية الإنسان. بمعنى أن الدولة، وهي تعاني أزمة خانقة في البحث عن المال لِحَلّ معضلاتها، وما تعرضت له ثروات البلاد من نهب واختلاس وسوء تدبير، وما هي ملزمة بتسديده من ديون خارجية، باتت تبحث في كل الجيوب عن هذا لمال، فكما فرضت ضريبة على أجور المتقاعدين، ممن كانوا يؤدون هذه الضريبة خلال سنوات عملهم، فهاهي تذهب إلى قطاع، كان مفترضاً أن تدعمه الدولة بأموال كبيرة لحل معضلات البحث العلمي، ولوضع الجامعة في سياق النهضة التي نتوخاها، وندَّعِي أننا نميل إليها ونرغب فيها، أو نذهب إليها لأنها هي خيارنا الوحيد.
يعود بي هذا، أيضاً، إلى ما دار من نقاش حول مجانية التعليم، وما تبعه من غبار كثير، ستعمل الدولة على امتصاصه والخروج منه، لأنه مَسَّ السواد الأعظم من الشعب، وهلم جرا، كما يُقال، في ما تسعى الدولة لجرنا إليه من نهب، ووضعنا فيه من بؤس، هذه المرة، مَسَّ عقولنا وخيالاتنا، وما خفي، مما قد يخرج من جواريرها، قد يكون أعظم.