الدين والحياة

مناقشة لموضوع سفر المرأة من غير ذي محرم

مصطفى الشنضيض

ذهب عدد من أهل العلم قديما وحديثا إلى عدم جواز سفر المرأة وحدها من غير ذي محرم منها واستدلوا بالأحاديث التالية:

روى البخاري واللفظ له ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)

وروى مسلم عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو محرم)

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا، إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)

لكنه تقرر في الأصول أن الأصل في الأحكام التعليل، وفي الأحاديث السابقة لا يوجد ذكر للعلة وإنما اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الحكم مجردا عن علته، لعدم خفائها عرفا عند السامع، كما سيأتينا، فيبقى على الفقيه اللاحق على تلك الحقبة الزمنية الاجتهاد في تخريج المناط المظنون به الصلوح للتعليل به.

فهل قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم خشية وقوع المرأة في الزنا؟ فذلك احتمال، وهل يمكن أن يكون مناط الحكم هو انعدام الأمن؟ فذلك احتمال ثان.

وهنا علينا التنقيح لاختيار ما يصلح مناطا للتعليل. فلنبدأ بالأول وهو خشية الوقوع في الزنا، فلو كان هذا هو المناط لاستوى فيه الرجل والمرأة على حد سواء، فهو كذلك معرّض للزنا! ولحرّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهما معا السفر منفردَيْن، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختص المرأة بالحكم دون الرجل، فننظر إلى الثاني، وهو مظنة انعدام الأمن، فكيف يمكن للمرأة أن تسافر وحدها في صحراء قاحلة لأسابيع وربما أشهر؟!، فمن يسقي لها الماء؟ ومن يصيد لها الصيد؟ ومن يضرب لها الخيام في الليل؟، ومن يدفع عنها الحيوانات المفترسة؟ ومن يدفع عنها قطاع الطريق؟ من يتسلق لها الشجر والنخل لجني الثمار والتمور.. فالمحرم هنا خادم لها، وحام لها، وحارس لها لا عليها! وهذا معروف عرفا، معيش بين الناس ساعتئذ، فتكون هذه العلة هي الموائمة والملائمة للحكم.

ثم إنه وجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على وصفٍ تسافر المرأة متحلية به، وهو أنها "لا تخشى أحدا إلا الله"، ذاكرا ذلك في مقام المدح على أعلاه، أو في مقام الرضا على أدناه، فقال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم الطائي، (يا عدي، هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال «فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله) رواه البخاري.

أي أنه سيأتي زمان ينتشر فيه الأمن إلى درجة تسافر فيه المرأة المسافات العظام غير خاشية إلا من الله تعالى، فدلنا هذا الحديث وأكد لنا أن علة النهي في الأحاديث السابقة هي انعدام الأمن.

فتبين لنا ذلك ولله الحمد بالنص في حديث عدي بن حاتم وبالتخريج من عرف زمانهم أنه، إذا توفر الأمن جاز للمرأة أن تسافر بدون حرج، وذلك لارتفاع العلة التي أنيط بها حكم النهي في هذه الأيام.

لذا، فالمفتي الحصيف هو من لا يصادم واقع الناس بالنصوص الجزئية التي إن تأمل فيها لعلم سياقاتها وعللها وأنساقها المعرفية وحقولها الدلالية وأسباب وظروف ورودها لا أن يجردها من كل العلائق واللوازم ويرمي بها في وجوه الناس كالمدافع ويربك واقعهم وحياتهم.

مصطفى الشنضيض. ليلة السبت 30/11/2019

رابط صفحة الباحث مصطفى الشنضيض على موقع "فسبوك":

https://www.facebook.com/mostafa.chendid.9….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى