فن وثقافة

في ذكرى ميلادها.. سيدة الكوميديا السورية سامية الجزائري خارج شرط العمر

لم تكن الفنانة السورية سامية الجزائري بلغت السابعة عشرة من عمرها حين وقفت أمام الكاميرا أول مرة، مطلع العام 1963 لتؤدي شخصية ممرضة في التمثيلية التلفزيونية "أبو البنات"، بعدها راحت الفنانة السورية، تحجز لها تدريجياً مساحة لافتة وسط جيل الرواد المؤسسين في ستينيات القرن الفائت، وصولاً إلى حضورها المختلف الذي حققته اليوم وسط أجيال فنية متعددة عاصرتها. 

خلال هذه الفترة تنوعت مساحات أدوار القديرة سامية الجزائري، كما عانت من إجحاف جيل كامل من المخرجين أسقط من حساباته جيل الرواد المؤسسين أو ما عرف كيف يستثمر طاقاتها الإبداعية، إلا أنها حافظت رغم ذلك على ما يميزها، ولاسيما في الأعمال الكوميدية.

اختارت الفنانة سامية الجزائري منذ بداياتها الفنية؛ الطرف الأقصى مما هو متوقع منها، وربما الأصعب.. فالسيدة "أم عنتر" التي ظهرت على نحو سريع وعابر في مسلسل "صح النوم" إلى جانب زوجها "أبو عنتر" كعريسين يقضيان شهر العسل في فندق السيدة فطوم حيص بيص، ويقحمهما غوار طوشة في صراعه مع حسني البورظان للظفر بقلب فطوم،  سرعان ما تنقلب على نفسها، وتتجاوز شهرة الكركترات التي ظهرت بينها وظرافتها، لتؤسس لها حضوراً خاصاً يعتمد بالدرجة الأولى على أدائها التمثيلي وقدرتها على اللعب ضمن مساحة كل دور تؤديه، من دون أن تلجأ إلى تبني كركتر خاص بها على طريقة فناني تلك الفترة.

 وكان رفض الفنانة سامية الجزائري، تبني منهجاً فنياً بعينه إشارة إلى اختيارها للطريق الأصعب، فهي هنا تضع نفسها في كل مرة أمام امتحان قبول جماهيري جديد، وتدخل في الوقت نفسه تحدي إيجاد مساحة حضور فني تخصها في نصوص درامية، كثير منها كانت تُكتب للكركترات المعروفة.

هكذا ظهرت الفنانة الجزائري في مسلسل "وين الغلط" في شخصية "أم ياسين" خلافاً لصورتها في "صح النوم" فهي هنا تتنقل من موقع المنفعل إلى الفاعل، حين تجسد شخصية الأم القوية التي تقف في وجه استغلال (غوار) و(أبو عنتر) لطيبة ولدها الساذج (ياسين)، فتفاجأ الثلاثة بمكنستها القش، تطاردهم بها وتطردهم.

جرأة الفنانة سامية الجزائري في تلك الفترة لم تقتصر على رفضها تبني نمط بعينه في دراما تقوم على أنماط وحسب، بل وتجاوزت ذلك بكثير حين عدّت سنوات عمرها وأدت أدوار أم، بل وجدة لأبناء وأحفاد من أبناء جيلها… وكانت بذلك تؤكد قدراتها التمثيلية، حين تضيف إلى المطلوب من دورها، مهمة إقناعنا بدور أكبر مما يشي به عمرها من ملامح، وهو أمر نجحت في تحقيقه بأدوات عملها كممثلة، لا بإمكانيات المكياج والملابس وحسب.

سيدة الأعمال الكوميدية، لقب تستحقه الفنانة سامية الجزائري، وقد استطاعت إضحاكنا حتى في أكثر المواقف صرامة، ورسخت في ذاكرتنا أكثر من شخصية دمشقية تختزن في تفاصيلها شيئاً من الذاكرة الشعبية للحياة اليومية لدمشق وحكايات نسائه .. ولعل من شخصياتها الأشهر في تلك الفترة (سبعينيات القرن الفائت.. حتى منتصف الثمانينيات) شخصية "أم جندل" المرأة القوية التي تقمع زوجها "أبو جندل" "فهد كعيكاتي".

في هذه الفترة يمكن لنا أن نحصي للفنانة الجزائري عدداً من المشاركات الفنية منها في السينما "رحلة حب" ،"المغامرة"، "زواج على الطريقة المحلية"، "سمك بلا حسك"، (قدمت بعدها فيلماً واحداً هو "كفرون" في العام 1990 كان آخر أعمالها السينمائية).

 وفي التلفزيون نتذكر من أعمالها الكوميدية " صح النوم" و"ملح وسكر" و"وين الغلط"، بالإضافة إلى مشاركتها الفنان نهاد قلعي مسلسله "عريس الهنا" والفنان ياسر العظمة سلسلة "مرايا".. فضلاً عن دور لا ينسى في المسرح هو شخصية "الحجة" في مسرحية "غربة"، والتي استطاعت خلاله أن تعيد تشكيل صورتها كممثلة، فكانت تنتقل بين الكوميديا والتراجيديا بمرونة وإقناع، لتجسد شخصية أنثوية مفصلية في حكاية عصبها الرجال، فكانت تقف في الصف المتقدم من الوعي في مواجهة قلة حيلة الرجال، وقلة عقلهم أحياناً.

سيدة الكوميديا ستعود مع انطلاق الدراما السورية الثانية مطلع تسعينيات القرن الفائت، لتصنع حضورها المختلف وسط إنتاج متصاعد، بدأته شركة الشام الدولية، وفي أعمال هذه الأخيرة ستقدم الفنانة الجزائري عدة أدوار تتفاوت مساحة ظهورها فيها، في وقت ظلت محافظة على أهمية حضورها مهما تقلص عدد مشاهدها.

في هذه الفترة سيكون دور "أم أحمد بلاليش" في مسلسل "عيلة خمس نجوم" مساحة لإعادة الثقة بقدرات الفنانة الجزائري، ولاسيما لجهة اضطلاعها بأدوار بطولة مطلقة…ولا نبالغ بالقول أن شخصيتها "أم أحمد بلاليش" هي واحدة من الشخصيات القليلة التي حفظتها ذاكرة الدراما خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وما زالت تمتلك القدرة على الخلود في الذاكرة لعقود عديدة أخرى، من دون أن يستطيع أي منا أن يسقط في معرض تفسيره لذلك الخلود، قدرات الفنانة الجزائري التمثيلية.

واستطاعت الفنانة الجزائري أن تشكل حالة خاصة بذاتها، في أدوار أخرى تراجعت فيها مساحة ظهورها لصالح الآخرين، كما كان الحال مع شخصيتها "أم محمود" في مسلسل "جميل وهنا"، إذ طغى أداء الجارة البخيلة الطفيلية على جميع الأدوار النسائية في العمل، بما فيه دور البطولة الذي قامت به الفنانة نورمان أسعد، لدرجة اتهام هذه الأخيرة، من قبل الصحافة، بتأثرها بأسلوب الفنانة الجزائري ومحاولة تقليدها.

كل ما سبق كان العامل الحاسم في أن تكون الفنانة الجزائري شريك النجم أيمن زيدان، ممثلاً ومنتجاً في معظم أعماله الكوميدية، ومن أبرزها إضافة إلى مسلسل "جميل وهناء" في جزأيه، وسلسلة عائلة النجوم، ومسلسل "أنا وأربع بنات"، ومسلسل "جوز الست" وكانت آخر مشاركة كوميدية لها مع الفنان أيمن زيدان في مسلسل"مرسوم عائلي"، قبل ان تعود لتلتقيه في الدراما الاجتماعية "دامسكو".

وفي هذه الفترة أيضاً ستعود الفنانة الجزائري للعمل مع الفنان دريد لحام، بدور صغير هذه المرة، فقدمت شخصية أم أبو الهنا، في مسلسل "أحلام أبو الهنا".

في العقدين الأخيرين ستقدم الفنانة سامية الجزائري أدواراً متفاوتة الأهمية في مسلسلات كوميدية منها "يوم بيوم"، "الفندق" و"مدام دبليو"، و"مبروك"، "أبو جانتي"،"فتنة زمانها"، " جيران"، ومشكلة سامية الجزائري في تلك الأعمال، كانت جزءاً من مشكلة الكوميديا السورية مع ذاتها، فهذا الجنس الفني الحائر اليوم بحثاً عن نص يعيد له عفويته كما كانت في أيام الأبيض والأسود أو يعيد له جاذبية أفكاره ومضمونه، لم يستطع أن يحفظ لطاقة سامية الجزائري التمثيلية مساحة للعب الفني، فعجزت الكوميديا السورية لاحقاً أن تستثمر حضور السيدة القديرة، في وقت بدت سامية الجزائري نفسها كما لو أنها استسلمت لواقع حال النصوص الكوميدية المتواضع، فقدمت عدداً من الأعمال لم تخدمها فنياً، ولا تشبهها كسيدة للأعمال الكوميدية.

رغم تلك الأعمال، تبقى الكوميديا محطة هامة في مشوار الفنانة سامية الجزائري، يصلح تتبع أعمالها فيها لرسم صورة شخصية شبه مكتملة عنها في ذكرى ميلادها الثاني والسبعين، من دون أن نسقط من هذه التجربة، أعمالها في الدراما الاجتماعية، التي تستحق الدراسة أيضاً.

المصدر: الدار/ وكالات

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى