ملعب لكرة القدم في مدينة إدلب وجهة لعائلات سورية شرّدتها المعارك
لم تجد عشرات العائلات النازحة في شمال غرب سوريا مأوى إثر فرارها من المعارك إلا ملعباً لكرة القدم في مدينة إدلب، بعدما باتت المخيمات والبلدات كافة مكتظة بالوافدين إليها على وقع التصعيد العسكري.
في الفناء الخلفي للملعب وتحت مدرّجاته، تصطف عشرات الخيم البيضاء، الحديثة العهد، قرب بعضها البعض. وإلى جانبها غرف جاهزة صغيرة عبارة عن حمامات مشتركة تعلوها خزانات مياه.
بين الخيم، يلهو أطفال من مختلف الأعمار، يركضون حيناً وتعلو قهقهاتهم حيناً آخر. ويجلس مسنّون تقطّعت بهم السبل قرب خيمهم، يلتزمون الصمت هم الذين تذوقوا طعم النزوح لمرات عدة خلال سنوات الحرب التسع المدمرة.
ويقول أبو الفوز (32 عاماً)، الذي نزح مع زوجته وأطفاله الثلاثة من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي قبل أشهر، “هذا ملعب لكرة القدم غير صالح للسكن، ولا تتوفر أي من مقومات الحياة فيه”، مضيفاً “لا كهرباء ولا ماء ولا حمامات” مجهزة.
ويوضح “نزحنا من تحت القصف وكنا آخر من خرج من معرة النعمان. لم نستطع أن نحضر شيئاً معنا”، مضيفاً “لم نجد بيتاً للسكن، +تبهدلنا+ في الشوارع حتى ذكروا لنا وجود مخيم في الملعب البلدي”.
رغم ذلك، لا ينفكّ أبو الفوز عن القول “الحمدلله استطعت النجاة بأطفالي وزوجتي”.
على غرار هذه العائلة، توجّهت عشرات العائلات النازحة من معرة النعمان، المدينة التي تمكنت قوات النظام من السيطرة عليها بعدما خلت من سكانها، في 29 يناير، إلى الملعب البلدي في إدلب.
في الجهة الخلفية من المدرجات، يمكن مشاهدة كوة كبيرة في الجدار، أحدثها قصف سابق على الأرجح. وتحت المدرجات حيث يفترض أن تكون الحمامات وغرف تبديل الملابس والمكاتب، وضعت خيم عدة وتحمل كل واحدة منها رقم. وتحوّل الشبك الحديدي الذي يزنّر الملعب، مكاناً لتعليق الغسيل.
وتشنّ قوات النظام بدعم روسي منذ ديسمبر هجوماً واسعاً ضد مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل معارضة أخرى، تمكنت بموجبه من إحراز تقدم كبير في جنوب إدلب وغرب حلب. ودفع التصعيد نحو مليون شخص للفرار أكثر من نصفهم أطفال بحسب الأمم المتحدة، في موجة نزوح غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع قبل تسع سنوات.
وغادر هؤلاء منازلهم تدريجياً مع تقدم قوات النظام وتعرّض المدارس والمستشفيات في مناطقهم للقصف بشكل دوري. وتوجّه القسم الأكبر منهم نحو مناطق لا يشملها التصعيد قرب الحدود التركية شمالاً.
تخطت المخيمات في إدلب قدراتها الاستيعابية بينما تعجز عائلات كثيرة عن تحمل بدلات إيجار منازل خاصة، ما يدفع عشرات الآلاف إلى العيش في العراء أو في مدارس ومساجد ومنازل قيد البناء. وشاهد مراسلو وكالة فرانس برس في الأسابيع القليلة الماضية عائلات نازحة تقيم في مغاور تحت الأرض أو بين المقابر بحثاً عن الأمان.
قبل أربعة أشهر، تعرّض منزل الطبيبة النسائية أم ثناء (65 عاماً) للقصف في معرة النعمان، وتمّ سحبها من تحت الأنقاض مصابة بجروح في قدميها، ما استدعى بقاءها في المستشفى لأسابيع عدّة.
بعد نزوحها من معرة النعمان، أقامت العائلة في أحد مساجد مدينة إدلب، قبل أن تنتقل مؤخراً إلى الملعب. وتقول الطبيبة وهي أم لخمس فتيات، ثلاث منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسرة لفرانس برس “هل المخيمات منزل يليق بنا؟ إنها مأساة”، مشيرة الى نقص في الخدمات كافة.
وتعتبر أن الوضع القائم “ليس بحل”. وتشرح “نريد حلاً سلمياً حتى يعود كل إنسان إلى بيته حتى لو أكلنا الخبز فقط”، مضيفة “أياً كان الوضع، الشخص في بيته سيد نفسه”.
وتتكرر أمنية العودة إلى المنزل على لسان كل نازح، إلا أن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل، بعدما باتت مساحات واسعة في إدلب غير صالحة للسكن.
ويظهر تقرير صدر الأربعاء عن منظمتي أنقذوا الأطفال (سيف ذي تشيلدرن) والرؤية العالمية ومبادرة هارفرد الإنسانية، أنّ “دمار المنازل والبنى التحتية الحيوية سيجعل من المستحيل تقريباً عودة العائلات في المستقبل القريب” إلى مناطق واسعة تعرضت للقصف والمعارك.
قرب إحدى خيم ملعب إدلب، تتحدّث جنى (10 سنوات)، التي ولدت بعد عام من اندلاع النزاع عام 2011، كما لو أنها يافعة عن مأساة النزوح ونقص الخدمات لا سيما التعليم، في وقت تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن 280 ألف طفل في شمال غرب سوريا “سُلبت منهم فرصة التعليم بوحشية” جراء التصعيد.
وتقول جنى “نحتاج إلى المدارس ويرغب الأطفال بالتعلّم. لا نجد شيئاً هنا لنملأ الفراغ”.
المصدر: الدار ـ أ ف ب