درس كورونا…. بين المصير الإنساني المشترك وبقايا الفكر العنصري
الدار / الطيب يونس
نحن في شهر أبريل من سنة 2020، أي في عز أزمة عالمية تسبب فيها فيروس كورونا المستجد، ستكون لها عواقب اقتصادية و اجتماعية وجيوسياسية ستتجاوز بالتأكيد قوتها آثار أزمة 1929.
ولأن المرحلة دقيقة للغاية، فإن المنتظر من كل شعوب العالم أن تستحضر جسامة المسؤولية الإنسانية والأخلاقية التي على عاتقها، وتستوعب دلالات الخلاصات الأولية مما يجري حاليا من أزمة عالمية، والتوجه لتغيير عدد من السلوكات والمقاربات والمعايير.
ورغم أن هذا المطلوب يبدو منطقيا وواضحا، إلا أنني لا أعتقد أن ذلك سيكون سهلا بالنسبة لجميع الشعوب و الدول. وما بين أيدينا من تجارب سابقة، يفرض علينا أن نحتاط وأن ننتظر قليلا لنرى، و لا نفرط من الآن في التفاؤل. و إن كان لا بد من تبرير لهذا التروي، فتكفي الإشارة إلى الخطابات التي ظلت لسنوات تروج لقيم المساواة بين البشر و العدل بين الشعوب، و تمجد منظومة التعاون الدولي وسمو الشرعية الدولية، وكونية مبادئ حقوق الإنسان “كما هي متعارف عليها عالميا”، دون أن تستطع تلك “الخطابات” فرض القانون الدولي على الجميع، وفرض التعاون بين الدول، وفرض احترام ثقافات الشعوب باختلافاتها وتنوعها، والقضاء على الأفكار العنصرية الاستعلائية التي تستوطن العقل الباطن لبعض “النماذج” البشرية المحسوبة على “الإنسان الأبيض” (L’Homme blanc).
وأنا أقول هذا الكلام، أريد أن أقف عند آخر نموذج لمثل هذه الأفكار المشينة، التي ذهل كثير من مواطنينا وهم يجدون أنفسهم أمام مشهد طبيبين “باحثين” فرنسيين يطرحان “اقتراحات علمية” (إذا جاز نعتها هكذا!)، و يدافعان عن “نظريات طبية” عنصرية، في إطار برنامج “تحليلي” على قناة إخبارية فرنسية رئيسية هي LCI.
كانت بحق صدمة، في عز إحصاء الشعوب لضحايا كورونا بالآلاف و ما يفرضه الأمر من واجب الإحترام والحياء والإنسانية والتضامن، أن نسمع كلاما مدانا ينتمي إلى عصر الإستعمار البائد الذي استحلت فيه فرنسا استعباد أبناء القارة الإفريقية والتعاطي مع شعوبها كسلعة تباع و تشترى، عندما لا يكون مصيرها التدمير والقتل. ولحدود اللحظة لا أحد يدري بأي منطق أمكن لأطباء يناقشون فرص توفير علاج لفيروس كورونا، القول بإمكانية استعمال بعض أبناء إفريقيا ك “فئران مختبرات” للتأكد من فعالية “أدوية”، وأنها لا تحمل أعراضا جانبية، قبل تعميمها ليستعملها “الإنسان الأبيض” باطمئنان.
صراحة، ستكون مصيبة كبرى أن تفشل كارثة كورونا في إخراج العقل الباطن الفرنسي من مستنقع الإرث الإستعماري المتجذر لدى البعض. كما سيكون مؤسفا أن يظل جزء من المواطنين الفرنسيين، وبعض أصحاب القرار الإقتصادي والسياسي منهم، غير مستوعبين أن زمن الإستعلاء على دول و شعوب إفريقيا قد ولى، وأن العالم تغير، و سيزيد في القريب تغيره وتعقد معطياته و تغير أسماء اللاعبين الكبار فيه.
و لأننا في المملكة المغربية نؤمن بأن إفريقيا هي بيتنا، و نحن مفتخرون بهذا الإنتماء، لا يمكننا إلا أن ندين مثل تلك التصريحات كما نرفض بشكل مبدئي كل فكر عنصري هجين، ولا يهم عن أي الأبواق الإعلامية صدر. ونحن متأكدون من أن فيروس كورونا، كما استطاع إرغام البشرية على تغيير أشكال عيشها وتعاطيها مع المحيط، كذلك ستفرض مرحلة “ما بعد كورونا” تغييرات جذرية في أشياء كثيرة على رأسها منظومة تدبير العلاقات الدولية. لذلك، سنتجند لتعزيز التعاون “جنوب – جنوب” بين دول القارة، من أجل مواجهة القادم من انعطافات متعددة الجبهات، بتآزر مع أبناء قارتنا وباحترام تفرضه علينا أخلاقنا وقيمنا وتوابثنا.
ويبقى الأمل قائما بأن يساعد الأفق القادم، الجميع و خصوصا حملة بقايا الفكر العنصري، في استيعاب أن حضارتنا ليست على تمام الكمال المادي والقيمي، كما كان يعتقد البعض. و أن الحكمة تقتضي استبدال النظرة الإستعلائية العنصرية التي لدى البعض تجاه الشعوب الفقيرة، والإقتناع بأهمية التواضع و مراجعة الاختيارات على كل المستويات، سواء في التعاطي مع الطبيعة، أو مع الذات و مع الآخر، والوعي بأن الإنتماء المشترك لكوكب واحد في كون لامتناهي، يحتم احترام حق كل الشعوب في العيش متساوين، في دول مستقلة ومتعاونة.
والأهم هو أن تعود البشرية لإستثمار العقول والطاقات في المعرفة وفي الطب وتأهيل الصحة العمومية والبحث العلمي النافع، ومراجعة ثقافة الاستهلاك المرتكز على الإنتاج بلا حدود، والكف عن تقديس منطق السوق، والجري الهستيري وراء تحقيق أعلى مؤشرات النمو obsession du taux de croissance ، بدون مراعاة للبيئة ودون الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
بذلك، فقط، سنبين للأجيال القادمة أننا استوعبنا الدرس الأساسي لفيروس كورونا، ألا و هو أن المصير الإنساني المشترك هو المعطى الأكثر تأثيرا في حياتنا وهو الذي يجب أن نأخذه في الإعتبار لحظة تحديد اختياراتنا وسياساتنا، وترتيب أولوياتنا، و توجيه مواردنا و استثماراتنا، وتحديد كيف نريد صناعة مستقبلنا، و بأية قيم نسعى لنعيش ذلك المستقبل.