الدار/ رضا النهري:
كثيرة هي الأشياء التي تغيرت في زمن “كورونا”، فهناك أشياء ستتغير إلى الأبد، وهناك أشياء أخرى ستتغير ولو مؤقتا، مثلما حدث في ايام وليالي رمضان، حين تغيرت كل العادات تقريبا، ويبدو أن الناس سرعان ما تعودوا اعلى العادات الرمضانية الجديدة، أهمها التزام المنزل ليلا، بعد أن كان مناسبة لا تغيب عنها الشمس.
من ابرز الأشياء الجديدة التي اكتشفناها في رمضان الحالي، هو أنه لا يزال يعيش بيننا شخص اسمه طبال السحور، صحيح أننا كنا ندرك وجوده في الماضي، لكننا بالكاد كنا ننتبه إليه، فقد كان يمر بيننا مرور الكرام، حتى أننا أشفقنا كثيرا على هيبته المفقودة، واعتقدنا جازمين أن هذه “المهنة” في طريقها إلى الزوال، إن لم تكن قد زالت فعلا في أكثر من مكان.
في الماضي كان الطبال يثير السخرية حين يمر في الأزقة والشوارع، فيجد الناس من حوله وكأنهم في مهرجان، والأنكى من ذلك حين يحيط به الأطفال الساهرون وهم يسخرون منه، وكأنه جاء من كوكب آخر، فيتساءل الجميع: من يوقظ هذا الرجل المسكين والكون كله مستيقظ..!؟
كان ضرب الطبل يمر هزيلا، ليس بسبب ضعف قبضة الطبال، بل لأن هدير السيارات وضجيج الأسواق وصراخ المقاهي وزعيق الأطفال لم يكن يترك للطبل كبير مفعول، وتزداد شفقتنا على الرجل حين يصرخ في وجهه بعض الخلق ممن لا يعرفون لرمضان طعما ويطلبون منه ضرب الطبل بعيدا عنهم.
اليوم، اكتشفنا أن الطبال رجل مهم للغاية، فكلنا في الحجر الصحي نسمع دقات الطبل قادمة من بعيد فتدق معه قلوبنا وكأننا عدنا إلى زمن الطفولة الأولى. وفي الأزقة والشوارع الخالية صار للطبل مفعول وللطبال هيبة، تلك الهيبة التي فقدها على مر السنين، فجاءت جائحة كورونا لكي تضع طبال رمضان حيث يجب أن يكون، طبال حقيقي قلبا وقالبا.