على مشارف مدينة تحناوت (حوالي 30 كيلومترا عن مراكش)، تنتصب إقامة فنية تعرف باسم “المقام”، كموئل للفنون في جماليتها وروعتها بين أحضان ظلال أشجار الزيتون بالحوز.
وباعتباره فضاء التأمل والاستجمام المفضل عند الفنانين ورجال الأدب والمثقفين من جنسيات عدة، يجمع “المقام” بين الراحة والود والرفاه، حيث يمكن للزائر أن ينغمس بشكل هادئ داخل فضاء يذكر بالجذور والحياة البسيطة.
وفي طريقه إلى هذا الفضاء الثقافي، يجد الزائر مجموعة من أشجار الزيتون التي تصارع تقلبات الزمن والمناخ ترافقها رائحة ربيعية تنبعث من الأزهار، قبل الوصول إلى الباب الموارب للمقام، في مؤشر أولي لكرم الضيافة الذي يمتاز به صاحب الفضاء.
ولأن الدخول إلى المقام لا يقتضي الاستئذان، فمنذ البداية يتأقلم الزائر مع الجو العام وينغمس مباشرة في بساطة المكان ويتماهى مع كرم الطبيعة. إنها دعوة إلى التحرر من قيود الحياة الحضرية والعودة إلى البساطة والأصالة والطبيعة. وللوهلة الأولى، يجد الزائر نفسه في فضاء مرتب ومنمق بأجمل المنحوتات والأحجار والصبار، حتى يتسنى لمن يحل بهذا المكان أن يستمتع بأشجاره المثمرة وأزهاره البهيجة التي تنبعث منها رائحة الربيع. وتشكل زيارة هذا الفضاء مناسبة للاطلاع على أوراش الصباغة وفضاءات المعارض والغرف المخصصة للفنانين والضيوف، والحدائق والمسبح في قلب أشجار الزيتون واصطبل الخيول المهيئ من قبل مؤسس ومالك “المقام”، الفنان التشكيلي محمد المرابطي.
وعلى امتداد السنوات، نجح “المقام” في اكتساب سمعة لدى نخبة من الفنانين التشكيليين البارزين والمفكرين والمثقفين والموسيقيين والكتاب والشعراء والفلاسفة، على غرار إدمون عمران المليح وميشيل بيتور وأدونيس ومؤخرا النجم الأمريكي ويل سميث وغيرهم. وداخل هذا الفضاء الثقافي، يسهر المرابطي بشكل دقيق على المحافظة على المشاهد الطبيعية المحيطة بالمقام، من خلال التقيد بسلوكيات “إيكولوجية” كنمط فكر وحياة، بدء من المحيط الطبيعي وانتهاء عند الأطباق الصحية المقترحة على الزوار.
وانطلاقا من هذا الفضاء، انبثق حدث ثقافي وفني أطلق عليه اسم “المهرجان السنوي للحوز”، الذي اكتسب مع مرور الزمن، سمعة كبيرة واستطاع أن يستقطب شخصيات بارزة من عالم الفن والثقافة والفكر بالمغرب كما في الخارج.
وبالمناسبة، أكد الفنان التشكيلي ومالك الفضاء، محمد المرابطي، أن “زيارة المقام تمكن من تغذية الروح وتحريك الطاقات التي بداخل الإنسان”. وقال الفنان المرابطي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن فكرة إنشاء المقام جاءت بكل عفوية، عندما “قررت أن أسكن مدينة تحناوت (…) هذه البلدة شكلت نقطة انطلاقة لتحرير الروح الإبداعية بكل حرية”. وعند عودته إلى تحناوت، افتتح هذا الفنان العصامي ورشة قائمة على تصور سهل يتمثل في مجموعة من المبادئ التي كونت “المقام” من قبيل تكسير كافة الحواجز وغرس ثقافة الحرية والانفتاح، وإتاحة إطار مريح وودي للإبداع الفني.
وقال إن “الطابع السحري والمتفرد للمقام، يستمد جوهره من فكرة الزوايا، من خلال فتح هذا الفضاء أمام أشخاص منحدرين من آفاق متعددة (دبلوماسيون وصحفيون وكتاب وشعراء وفنانون تشكيليون وغيرهم)”. وأضاف أن “المقام هو بمثابة إقامة هادئة للاستمتاع ببساطة وهدوء الطبيعية، والعمل على الذات، وتحسين الأذواق والتكوين والتبادل والحديث عن عالم اليوم”. وأشار إلى أن هذا المشروع لم يكن ليرى النور من دون المساهمة القيمة لعدد من أصدقائه الفنانين، موضحا أن “انخراط الجميع في هذا المشروع منذ البداية نابع من الرغبة الجماعية في التوفر على فضاء خاص يسوده تقاسم الثقافة والفنون”. وأكد أن “مجال الفنون والثقافة ليس مرادفا للترف أو مخصص لنخبة معينة، بل يكفي أن نشجع الشباب على الإبداع انطلاقا من أمور بسيطة تتيحها لنا الطبيعة”. ويظل المقام، بتفرده وسحره المعهودين، فضاء يتوفر على كافة المقومات التي تجعل منه يواصل مهمته النبيلة المتمثلة في الاحتفاء بكل من كرس حياته للإشعاع والنهوض بالثقافة والفنون.