الدار/ رضا النهري:
كل خبر وفاة يسمعه الناس هذه الأيام يعتقدونه بسبب فيروس “كورونا”، وكل موكب جنازة يمر من أمامهم يعتقدونه موكب ضحية من ضحايا الفيروس، وكأن الموت لم يكن موجودا قبل الجائحة، أو كأن الموت العادي لن يصبح له وجود مستقبلا.
هكذا صار للموت طعم خاص جدا هذه الأيام، فكل من يموت بيننا نراه ميتا غير محظوظ بالمرة، فلا موكب الجنازة مهيب كما يكون عادة، ولا المعزين بالوفرة التي كانوا عليها في كل الأيام، ولا الدموع هي الدموع ولا الحزن هو الحزن.. ولا القبر هو القبر.
وعندما يرن هاتف ما، في الليل أو النهار، يكون له وقع مختلف تماما عما كان له في باقي أيام الله، وكل الناس، تقريبا، يتمنون ألا يرن هاتفاهم مطلقا هذه الأيام، لأنه لا يمكن أن يحمل سوى أسوأ الأخبار في أغلب الحالات، أسوأها نبأ الوفاة، حتى لو كان موتا عاديا، بل ومرتقبا منذ وقت طويل.
اليوم، يتمنى الناس، ليس فقط ألا يموتوا هذه الأيام، بل يرجون ألا يموتوا هم ولا أحبائهم في ظل استئساد الفيروس، فهم يتمنون على الأقل أن يبقى للموت حرمته، وأن يدفنهم الناس بوقار كوقار كل الأيام، أو يدفنون بعضهم البعض باحترام وتبجيل.
الموت بالفيروس نادر جدا، لكنه حاضر بقوة في أذهان الجميع، فكل من يموت يأخذ حقه من الفيروس، فلا يحضر غير حفنة من المعزين، وحفنة من المشيعين، وكأن فيروس كورونا أراد أن يلطخ الموت المهيب بسمعته الشائنة.
يقتل الفيروس أقل من صفر في المائة، ويموت عدد كبير من الناس كل يوم وكل ساعة بشكل عادي، مثلما كان الحال دائما، لكن طعم الموت تغير كثيرا، وطقوس الموت لم تعد، وربما لن تعود أبدا كما كانت، ومثلما يحتاج الاقتصاد إلى زمن طويل للتعافي بسبب الفيروس، فكذلك الموت، يحتاج لزمن طويل لاستعادة هيبته.