عبادي: هذه هي الشّبهات التي يستند إليها المجترئ على التكفير
الدار/ المحجوب داسع
قدم الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الدكتور أحمد عبادي أرضية تعريفية لمفهوم الإيمان، وذلك خلال أشغال الدورة التأهيلية الثانية في العلوم الإسلامية، المنظمة بمدينة تطوان حول "العقيدة الأشعرية: عطاء ونماء مفاتيح ومسارات: حقيقة الإيمان ونبذ التكفير في الفكر الأشعري، تحليل المفاهيم وتفكيك المقولات".
وجاء في مداخلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء:
إن مفهومي "التصديق" و"الأمن" يكوّنان حقيقة الإيمان؛ فالإيمان عند السادة الأشاعرة يرادف التصديق كما في قوله تعالى في سورة يوسف: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}، وهو أيضا ينطوي على دلالة الأمن لاشتقاقه من مادة "أمان"؛ فيكون المؤمن مؤمَّنا من الخوف مطمئنا على نفسه ومصيره.
ومن هذه العلاقة الدلالية بين التصديق والأمن في مفهوم الإيمان نفهم مجموعة من الأحاديث والآثار التي أقر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، بإيمان الناس بمجرد النطق بالشهادتين أو التعبير بما يفيد ذلك، ونهى عن التشكيك في صحة إسلام الناس أو الحفر والنقر في عقائدهم للتأكد من إيمانهم.
ويدل على التوجيه الأول "حديث الجارية" التي أقر لها الرسول بالإيمان بمجرد جوابها عن سؤال: أين الله؟ بقولها: "في السماء" ولم يكلفها أكثر من ذلك لخلع اسم الإيمان عليها، كما يدل على التوجيه الثاني غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسامة بن زيد لقتله رجلا نطق بالشهادتين معتقدا أنه إنما فعل ذلك عصمةً لدمه، فنهره الرسول بقوله: "هلا شققت على قلبه؟"..
مثل هذه النماذج ـ وغيرها كثير ـ يدل على "مقصد اليسر" في تكليف العباد، وهو يتمانع بالكلية مع أسلوب محاكم التفتيش التي يولع بها المكفرة والخوارج لإكفار الناس وإخراجهم من دائرة الإسلام، ليصوغوا بذلك إراقتهم للدماء وهتكهم للأعراض واستحلال أموال المسلمين المكفَّرين.
وإمعانا في تقرير هذا المقصد تصدى الدكتور عبادي لشبه أربع كبرى يستمسك بها كلية أو جزئيا المجترئ على التكفير؛
أولاها أنه لا ينبغي للمسلم أن يكون مقلدا في العقائد، وإنما عليه أن يطلب لكل معتقد دليله على وجه التفصيل وهذا متعذر في وجه عموم الناس لتفاوت أفهامهم وقدراتهم في التعبير والإفهام والاستدلال، وقد ذكّر المتدخل في هذا الخصوص بالدمغة الفطرية التي فطر اللهُ الناسَ عليها مستشهدا بآية الإشهاد.
الشبهة الثانية تتمثل في انتداب فئة من الناس أنفسَهم ـ سماهم النابتة ـ للنظر في إيمان العباد والنبش في قرارة النفوس، وهو تكليف للنفس وللغير بما لم يكلفهم به الله تعالى.
ثالثة الشبهات تتجلى في الزعم القائل بأن العقيدة بناء ونسق من لا يعرفهما على وجه التمام والتفصيل ويكون على دراية بمنهج انبنائهما فإن عقيدته مدخولة، وهذا أيضا تكليف بما لم نُكلف به، وقد توسل الدكتور عبادي بحديث جبريل المشهور في تعريف الإيمان للدلالة على وضوح أصول الإيمان.
وأما الشبهة الرابعة فتخص هوس النابتة بتصنيف عقائد الناس وتصنيفهم تصنيفا يخرجهم من "الفرقة الناجية"، وهذا تحكّم ومدعاة إلى التكفير والتطرف.