دروس الوحدة في عيد الإمارات الوطني
الدار / افتتاحية
برقية التهنئة التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس إلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني لها دلالات مختلفة وتأتي في سياق جديد في مسار العلاقات بين البلدين. بل إننا نكاد نقول إنها تؤثث مرحلة غير مسبوقة في تعميق أواصر التفاهم بين الرباط وأبو ظبي. وتكاد هذه الرسالة تنطوي على شكر عميق لما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة بافتتاح قنصليتها في مدينة العيون وإطلاق دينامية جديدة في علاقة البلدان العربية بقضية وحدتنا الترابية.
هذه الخطوة الجريئة التي زعزعت المتدخلين في معاكسة وحدتنا الترابية وعلى رأسهم الجزائر، لا تستحق الشكر فقط بل تستدعي قدرا كبيرا من العرفان والامتنان.
بهذا المعنى يصبح احتفال الإمارات بعيدها الوطني متجاوزا لحدودها ليصل الجسور مع المغرب هنا حيث تتعزز العلاقات أكثر من أي وقت مضى. ويصبح الرهان المشترك بين البلدين مناسبة لفتح آفاق جديدة يرتقب أن تكون واعدة وحافلة بالفرص والتوافقات والمشاريع المشتركة. عيد الإمارات الوطني بالنسبة للمغاربة والعرب عموما فرصة أيضا لاستخلاص الدروس من التجربة التنموية والسياسية لهذا البلد الذي نبت في قلب الصحراء كشجرة طيبة تغطي بظلالها الوارفة الكثير من الجيران والأغيار.
لكن أهم الدروس المستخلصة من تجربة الإمارات العربية المتحدة بالنسبة لنا في المغرب ترتبط أساسا بتجربة الوحدة التي دشنها الملك المؤسس الشيخ زايد. فالإمارات تمثل نموذجا حيا معاصرا لأهمية الوحدة الترابية في إطار استقلالية ذاتية تسمح للأقاليم والجهات بتدبير شؤونها المحلية. إنها التجربة ذاتها التي يدعو المغرب اليوم لتبنيها في حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وها هي الآن تظهر ثمارها ونتائجها في المختبر الواقعي الذي تمثله دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يتعايش سكان مختلف الإمارات بجذورها القبلية والمذهبية والجهرية المختلفة في انسجام ووئام بناء، وبتكامل وظيفي اقتصادي وسياسي منتج ومنظم. في أبو ظبي تتخذ القرارات السياسية والاستراتيجية وفي دبي تفعل الرؤية المستقبلية والتطوير الاقتصادي وفي الشارقة تمعق البلاد جذورها الثقافية. ممارسة سياسية وإدارية تكاملية مدروسة ومحكومة برؤية واضحة.
يجب أن نستحضر أننا نتحدث عن بلد يتموقع في منطقة جغرافية ساخنة وملتهبة، محاطة بالعديد من بؤر التوتر والنزاعات، والكثير من القوى الإقليمية المتنافسة. ومع ذلك يسمح النموذج الإماراتي بالتأقلم والتكيف مع كل الظروف والمستجدات، ويضمن لهذا البلد قوة دبلوماسية واقتصادية هائلة، افتقدتها بعض بلدان الجوار على الرغم مما تمتلكه من مقدّرات. ولا تزال تجربة العراق ماثلة بين الأعين بعد أن أصبح دولة فاشلة مقسمة ومحط تنازع بين الجيران والقوى الدولية والإقليمية. إن ما تمتلكه الإمارات يتجاوز النفط أو الغاز أو المال. إنها تمتلك ثروة الإدارة والتدبير التي مكنتها من بناء وطن مؤثر وفاعل.
لذلك إن ما يجمع المغرب بالإمارات يجب أن ينصب أساسا على استنساخ هذه التجربة ونقلها لإنجاح المسار الوحدوي للمملكة وتقوية الشرعية الوطنية في الأقاليم الجنوبية. نحن هنا بحاجة إلى استلهام نجاحات دبي وأبوظبي مثلما استلهمتا أيضا نجاحات المغرب في الكثير من المجالات الأمنية والسياسية واستعانت بالكفاءات المغربية في بناء الإمارات الحديثة.