استئناف المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل…مدخل لتعزيز إشعاع الثقافة اليهودية
الدار / خاص
بعيدا عن شعارات “التخوين” و”التطبيع” التي تروج لها بعض التنظيمات الدعوية في المغرب كرد على قرار المغرب التاريخي بإعادة استئناف علاقاته الدبلوماسية مع اسرائيل، ستفتح هذه الخطوة الباب على مصراعيه أمام فرص سياسية واقتصادية، علاوة على تعزيز الأبعاد الثقافية والاجتماعية ذات الصلة بوضع اليهود المغاربة.
ويحاول التيار الدعوي المعادي لاستئناف العلاقات مع إسرائيل، تجاهل أن إسرائيل تضم ما يقارب مليون يهودي من أصل مغربي، وهذا الأمر يجعل اليهود المغاربة الجالية الأكبر ضمن الجاليات الموجودة في إسرائيل، وفقا لإحصائيات رسمية صادرة عن مؤسسات إسرائيلية.
وفي وقت يحرص فيه اليهود المغاربة على الإبقاء على كل الروابط الثقافية والإنسانية التي تذكرهم بوطنهم الأم المغرب، في ظل ما يكفله الدستور المغربي لهم من حقوق، يعاني قسط هام منهم مشاكل التنقل إلى المغرب، وحضور المزارات الدينية والمناسبات المقدسة والاجتماعية.
ارتباط اليهود المغاربة أشد الارتباط بالمغرب، ليس وليد اليوم، أو الأمس، بل يعود الى سنوات طويلة، حيث تنتشر مراقد اليهود ومزارات أوليائهم، وتعرف باسم “تساديكيم”، لأمثال “ربي عمران بن ديوان” الموجود قرب وزان، و”ربي يهودا الجبلي” المعروف باسم “سيدي بلعباس” المدفون قرب مدينة القصر الكبير، علاوة على أحياء “الملاح” بمدن مراكش وفاس، التي لازالت تحتفظ بآثار التراث والثقافة اليهودية.
و في الفضاءات المحيطة بهذه الأضرحة، تقام شعائر “الهيلولة” كل عام، ويحج اليهود من كل بقاع العالم إليها، من أجل التيمن بما يعتبرونه صلاحهم وتقواهم وزهدهم الذائع الصيت بين اليهود والمسلمين في بلاد المغرب.
يحرص اليهود المغاربة خلال أعراسهم وحفلاتهم على الغناء المغربي، خصوصا فيما يتعلق بالنمط الموسيقي الذي أبدعه الموسيقيون اليهود، والمسمى “الشكوري”، وهو اللون الموسيقي الذي يحرص أيضا المغاربة المسلمون عليه في جميع المناسبات.
من جهة أخرى، حرصت المملكة المغربية في إطار برنامجها الشامل لإصلاح المناهج الدراسية، على إدراج تراث وتاريخ اليهود المغاربة ضمن المناهج التعليمية للموسم الدراسي الحالي، وذلك قبل الإعلان عن عودة استئناف العلاقات بين الرباط وإسرائيل، اذ تم ادراج المكون الثقافي اليهودي المغربي ضمن الطبعة الجديدة للمقرر الدراسي خاص بمادة الاجتماعيات التي تشمل التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية في المرحلة الأساسية من التعليم.
كما تتضمن الطبعة الجديدة في المقرر الدراسي بمادة الاجتماعيات، على درس خاص بالحقبة العلوية في المغرب، وتتطرق إلى الوجود التاريخي لليهود في مدينة الصويرة، كنموذج لمدينة مغربية للتعايش والسلام بين مختلف الأديان والطوائف في المغرب. ومن بين ما يعرف به الدرس “بيت الذاكرة”، الفضاء الثقافي اليهودي الذي دشنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في يناير الماضي بمدينة الصويرة، إلى جانب تعريفه كذلك بالمتحف اليهودي بالدار البيضاء.
وعكس التيارات الاخوانية الدعوية الداخلية والخارجية، التي تتهم المملكة المغربية بـ “التطبيع” معاداة لمصالحها و قراراتها السيادية النابعة من حكمة وتبصر من أقوى سلطة في البلاد، متحدثين عن معطيات لا تمت بصلة للواقع، فالمغرب سبق إعلان استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، بتنصيص دستوري صريح يؤكد على ضرورة الحفاظ على المكون العبري باعتباره رافدا من روافد الهوية الوطنية، مما يجعل مسألة إعادة استئناف العلاقات مع إسرائيل أمرا عاديا تمليه برغماتية العلاقات الدولية القائمة على مقاربة “رابح- رابح” في اطار حس الرشد والاتزان في اتخاذ القرارات.
و بالعودة الى تصدير دستور سنة 2011، نجد أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
هذا التنصيص على تعدد روافد الهوية الوطنية للمغرب ليس وليد الدستور الحالي للمملكة، وإنما تمت ممارسته قبل الاستقلال وبعده، إذ حرصت المملكة منذ عهد الملكين الراحلين على الحفاظ على الهوية اليهودية، من منطلق أن الثقافة والهوية اليهودية تجذرت منذ القدم في الثقافة المغربية، التي تمثل مجالا للتلاقح لإغناء الثقافة المغربية، شأنها شأن الرافد الحساني أو الأندلسي، وهو الأمر الذي أضاف اليها ثراء طريفا اشتد به ساعدها وعظم به نماؤها، ايمانا من المملكة المغربية بأن حوار الثقافات وتفاعل الحضارات خير جزيل لمن يحسن الأخذ ويجيد الاقتباس”، كما جاء في احدى خطب الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله.
وظلت الحركات الدعوية الاخوانية داخليا وخارجيا متشبثة بالوعاء الأيديولوجي والديني في تعاطيها مع قرار استئناف المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، و القضية الفلسطينية، دون أن تنظر لهذا القرار السيادي من المغرب بنظرة سياسية قائمة على المقاربة البراغماتية السياسية التي تدفع نحو الحلول، وتقريب وجهات النظر والرؤى.