اليوم العالمي للمرأة – فرنسا: “يجب إعطاء الأولوية لمحاربة العنف الاقتصادي الممارس ضد النساء”
في ظل العنف الأسري، تشكو العديد من النساء من تصرفات أزواجهن الذين يحاولون الضغط عليهن ماليا أو حرمانهن من العيش مستقلات اقتصاديا. جمعيات عديدة في فرنسا مدافعة عن حقوق المرأة دقت ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة التي أصبحت تلقب بـ “العنف الاقتصادي”.
يحيي العالم الإثنين اليوم العالمي لحقوق المرأة. ففي فرنسا، وضع الرئيس إيمانويل ماكرون ملف انعدام المساواة بين الرجال والنساء “في طليعة أولوياته الرئاسية”. لكن رغم القوانين العديدة التي تمت المصادقة عليها منذ وصوله إلى الحكم في ماي 2017 لحماية النساء من العنف ومكافحة عدم التكافئ في المعاشات بينهن وبين الرجال، إلا أن ثمة مشكلة لا تزال غير معروفة كثيرا في البلاد وتتعلق بـ”العنف الاقتصادي” الذي يمارسه بعض الرجال على نسائهم أو شريكات حياتهم السابقات.
هذا، وتشير دراسة أجرتها في 2019 شبكة “تضامن نساء” للجمعيات المساندة لهن إلى أن 23 بالمئة من اللواتي تعرضن إلى العنف الأسري قلن أنهن يعانين من ضغوطات مالية شديدة من أزواجهن. وتتمثل هذه الضغوطات في مراقبة النفقات اليومية لهاته النساء أو حرمانهن من العمل أو من إنفاق معاشاتهن كما يريدن أو حتى الاستحواذ عليها.
وأمام تطور انتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع الفرنسي، يسعى بعض النواب الذين ينشطون في مجال حقوق المرأة بالجمعية الوطنية الفرنسية إلى إدراج مفهوم “العنف الاقتصادي” في القانون الفرنسي بهدف تجريمه.
وفي حوار مع فرانس24، تحاول المتحدثة باسم شبكة “تضامن نساء” للجمعيات المساندة للمرأة فرانسواز برييه والمتخصصة في استقبال وإيواء النساء اللواتي تعرضن إلى العنف، تقديم شروحات أكثر حول ظاهرة “العنف الاقتصادي” الذي يطالهن.
لقد حددنا ستة أنواع من العنف الأسري: العنف اللفظي والنفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي وأخير العنف الإداري.
فالعنف الاقتصادي يهدف إلى فرض نوع من المراقبة على الاستقلال المالي للمرأة. ويمكن أن تتجسد هذه المراقبة في مصادرة الرجل للمعاش الذي تتقاضاه زوجته أو مراقبة نفقاتها اليومية أو حتى منعها من العمل.
هذا النوع من العنف غالبا ما يحدث داخل العائلة لكنه يمكن أن يستمر حتى خارج إطارها، أي بعد طلاق أو انفصال الزوجين. فالرجل يمكن مثلا أن يرفض دفع تكاليف الإجراءات القضائية أو تقديم مبلغ مالي شهري للمرأة التي لا تملك أي مورد للعيش. يجب أن نفهم جيدا بأننا لا نتحدث عن بعض المناوشات التي يمكن أن تحدث بين الرجل وزوجته أو شريكة حياته بل عن أعمال عنف يمكن أن تكون في بعض الأحيان خطيرة جدا.
كيف تقيمين مدى انتشار هذه الظاهرة في فرنسا؟
لا تتوفر لدينا إحصائيات أو أرقام محددة حول هذه الظاهرة التي لم تحظ بدراسات كثيرة لغاية الآن. لكن هذا الموضوع يطرح بشكل متكرر على طاولة الجمعيات التي تنشط في هذا المجال. وأظهرت الدراسة التي قمنا بها في 2019 حول العنف الأسري والتي شملت آلاف النساء أن واحدة من أصل خمس تعاني من ضغوط اقتصادية.
على سبيل المثال، أكدت لنا إحداهن أنها تحصل على 20 يورو فقط في الأسبوع لها ولأطفالها معا. امرأة أخرى اضطرت للتنازل عن حصتها من الممتلكات المشتركة لصالح زوجها المتعسف أمام كاتب العدل رغم تحذيراته. أخريات كان يكلفها الرجال بالنفقات اليومية في حين يدفعون هم ثمن العقار، ومن ثم يرفضون تقاسمه معهن عند الانفصال.
وتشير نفس الدراسة إلى أن هذه الظاهرة تشمل جميع الطبقات الاجتماعية، من الموظفين العاديين إلى الكوادر الرفيعة.
ما هي الأولويات اليوم لمحاربة هذا النوع من العنف؟
النساء اللواتي يتعرضن لمثل هذا النوع من العنف (العنف الاقتصادي) غالبا ما يجدن أنفسهن دون مأوى ودون موارد عيش عندما ينفصلن عن أزواجهن.
ولهذا السبب نحتاج إلى عدد أكبر من أماكن الاستقبال للحالات الاستعجالية. كما نطالب بمنحهن مبلغا ماليا مؤقتا. فهذا سيسمح للجمعيات أن تتفرغ أكثر لمتابعة النساء الضحايا على المستوى النفسي وتسوية أمورهن الإدارية لكي تتمكنّ من العودة إلى الحياة المهنية في حال اقتضت الضرورة.
وأمام الجمعيات عمل كبير يجب القيام به لتفكيك بعض الأحكام والمعتقدات السلبية والمسيئة للنساء فضلا عن توعيتهن بأنهن لسن مذنبات بل تحت سيطرة الرجال. هذه المرحلة ضرورية للغاية خاصة وأن “العنف الاقتصادي” غالبا ما يمارس عبر وسائل تتسم بالمكر والخبث وفي إطار مجتمع أصلا غير عادل بالنسبة للنساء.
على المستوى السياسي، الأمور بدأت تتحرك قليلا. والدليل أن النائبة في الجمعية الوطنية ماري بييار ركسان من حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم تريد أن تفرض دفع معاشات للنساء على حسابهن المصرفي الخاص لتمكينهن من المحافظة على الاستقلال المالي.
هذا الإجراء يسير في الاتجاه الصحيح لكن يجب الذهاب أبعد وتجريم “العنف الاقتصادي” الممارس ضد النساء. يجب أن تكون مسألة محاربته من بين أولويات الحكومة الفرنسية، شأنه شأن العنف الجنسي ومسألة إيواء الضحايا.
المصدر: الدار- وكالات