المواطنسلايدر

قراءات رمضانية..معضلة الحماية الاجتماعية للمهاجرين المغاربة في إسبانيا

منتصر حمادة

كيف يمكن إذن ملائمة التشريعات وحماية الوضعية القانونية للعمال المغاربة في إسبانيا بالتحديد؟ ما هي التوصيات التي ستساعد على خلق مقاربة جديدة لقضية الحماية الاجتماعية للمهاجرين المغاربة هناك؟ هذه هي القضايا الأساسية التي تتطرق إليها هذه الدراسة التي جاءت في 110 صفحة، واشتغل عليها فريق بحثي إسباني، تابع لجامعة كومپلوتينسي بمدريد، ويضم كلاً من خوان إغناسيو كاستيين، مايسترو (مدير الفريق)، أنخيل آرياس دومينغيس وكايامبا تشيشي ندوبا.
يروم العمل الجماعي تحقيق ثلاثة أهداف كبرى: إعطاء وصف عام لعمل آليات الحماية الاجتماعية؛ دراسة الأشكال الخاصة لتلك الاليات التي قد تمكن أو تحرم أفراد الجالية المغربية الاستفادة منها، وذلك نظراً لأن هذه الأشكال الخاصة تخضع للمعايير التي تعتمدها الأجهزة الإدارية الإسبانية في التعامل مع الأجانب حسب قوانينها الخاصة أو تعديلات تلك القوانين من جهة، أو حسب مختلف الاتفاقيات الدولية الموقعة مع المملكة المغربية من جهة أخرى؛ وأخيراً مقارنة مجموع التعويضات الاجتماعية بالاحتياجات الخاصة للجالية.


ومعلوم أن السنوات القليلة الماضية شهدت اهتماماً متزايداً ونقاشاً عميقاً حول هذا الموضوع بدافع من التطور المضطرد للهجرة نفسها، وبالنظر إلى تجذرها على أرض الواقع وبشكل سريع، وذلك بوصفها صيرورة وعنصراً هيكلياً للمجتمع الإسباني سواء من الناحية الديموغرافية أو من الناحية السوسيولوجية والاقتصادية، عل غرار ما نعاين مع حالات أخرى في أوربا، أي مع الجالية المغربية في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا ضمن نماذج أخرى.
نقرأ في مقدمة الكتاب، بقلم عبد الله بوصوف أن الدراسة تنبع من القلق الناتج عن الأزمة السوسيو- اقتصادية وتدهور سوق الشغل في إسبانيا، على اعتبار أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى انعدام الأمن الوظيفي والبطالة، فقدان الموارد المالية وإلى اضطراب المهاجرين في وضعية قانونية، مضيفاً أنه على المؤسسات المغربية والإسبانية القيام بإجراءات وتدابير للتخفيف من الوضعية المأساوية التي يعيش فيها المغاربة والذين عمل أغلبهم في القطاعات التي عصفت بها الأزمة كالبناء، الفلاحة، الخدمات المنزلية، الفندقة والعمل الموسمي في الفلاحة.
تروم الدراسة التعمق في معرفة مختلف آليات الحماية الاجتماعية التي يمكن للجالية المغربية الاستفادة منها بإسبانيا، على اعتبار أن نظام الضمان الاجتماعي في إسبانيا يُعد معقداً شيئاً ما وكل جهة مستقلة تتوفر على صلاحيات مخولة لها في مجال الحماية الاجتماعية، مما يجعل تنظيم هذه الأخيرة فريدا من نوعه.
يجب التذكير هنا بأن الجالية المغربية تُعدّ من أقدم وأكبر الجاليات في إسبانيا، حيث تكونت نواتها في سبعينيات القرن الماضي وبرز وجودها بوضوح في التسعينيات، خصوصاً في عام 2000 وذلك بالتزامن مع مرحلة ازدهار سوق الشغل في إسبانيا، وفي غضون عشر سنوات ما بين 2000 و2010 قفز عدد المغاربة المسجلين في السجلات البلدية من 173000 (يناير 2000) إلى 746000 (يناير 2010). وبذلك احتلت الجالية المغربية المرتبة الأولى في البلاد ولفترة طويلة إلى حدود سنة 2008 حيث تقلص العدد لصالح الجالية المتوافدة من رومانيا، ورغم ذلك واصلت الجالية المغربية نموها لكن بطريقة أقل حدة. فحسب المعهد الوطني للإحصاء شهد السجل البلدي بين عامي 2003 و2012 تسجيل 440958 مغربي؛ حيث قفز عدد الأشخاص المسجلين من 378.979 سنة 2003 إلى 792.158 سنة 2013.
ولا يمكن فهم هذا النمو دون الأخذ بعين الاعتبار نوعية التطور الاقتصادي الذي شهدته إسبانيا في فترة ما قبل الأزمة الاقتصادية وتحديداً بين 1995 و2007، حيث اعتمد هذا التطور على توسع قوي في قطاعات الفندقة والفلاحة والبناء. وقد تم تشغيل يد عاملة أقل مهارة – وبطرق غير قانونية – بشكل مكثف مما أدى إلى نمو غير مسبوق للفئة النشيطة المشتغلة (7,8 ملايين) وانخفاض مهم في عدد البطالة (1,88 مليون).
اعتمد الكتاب على وصف سوسيوــ ديموغرافي مختصر للجالية المغربية بإسبانيا، حتى يعطي للقارئ نظرة شمولية تمكنه من سهولة فهم المعلومات المفصّلة التي يستعرضها العمل. ولتحليل عمل آليات الحماية الاجتماعية بشكل مفصل، اعتمد الكتاب على الشقين القانوني والسوسيولوجي وذلك عن طريق إدخال معلومات محددة عن الجالية المغربية بغرض تيسير فهم حالات الاستفادة والحرمان من تلك الاليات المعتمدة.
كتقييم عام يمكننا تلخيص الوضع كما نقرأ في الكتاب، بالقول إن الجالية المغربية تعيش في وضعية هشة ازدادت تأزما في ظل الانتكاسة الاقتصادية [وازدادت تأزما مع تبعات الجائحة]. فمؤشرات البطالة في صفوفها عالية ومداخيلها هزيلة. لكن رغم ذلك يُلاحظ أن عملية تجذر المغاربة في التراب الإسباني تتم بشكل قوي، مما يجعلنا نتنبأ بأن عملية العودة أو الهجرة إلى بلد ثالث سوف لن تطال إلا نسبة محدودة. كل هذا يجعل الجالية المغربية أكثر احتياجا لحماية اجتماعية. وهناك مفارقة تطرح نفسها وهي أن الحاجة الماسة للحماية تصطدم بالوضعية غير القانونية التي تكون سببا في الحرمان منها. كما أن الوضع الحالي يمكن أن يتطور في عدة اتجاهات ويبقى العامل الحاسم اقتصاديا بالدرجة الأولى، ومن الملاحظ في هذا السياق، أنه لا يبدو واضحاً بأن حالة الانتعاش الاقتصادي سوف تتقوى فيما يخص الناتج الداخلي الخام والتشغيل، لأن عدم استقرار المشهد الدولي وارتفاع مستوى المديونية الخارجية والداخلية وبالأخص محاولة إحياء التنمية، أكدت الأزمة الاقتصادية فشله، يجعل النظرة المستقبلية لمحرري أقرب إلى التشاؤم منها إلى التفاؤل.
خلُصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات، نذكر منها مثلاً: التشديد على ضرورة منح تصاريح الإقامة والعمل للمواطنين المغاربة، فهذا هو السبيل الوحيد للاستفادة من الحماية الخاضعة للضريبة والمساعدات غير الخاضعة للضريبة، وخصوصاً الاستفادة من إعانات نظام الرعاية الاجتماعية [ولهذا الغرض، اقترحت الدراسة أن تكون شروط الحصول وتجديد تصريح الإقامة والشغل أكثر مرونة، لتفادي الوقوع في الوضعية الغير القانونية التي يتعرض اما المهاجر عندما يفقد عمله وبعد ما كان يتوفر على التراخيص اللازمة]؛ التأكيد على ضرورة تعديل المادة السابعة لقانون الضمان الاجتماعي لإدراج المواطنين المغاربة ضمن لائحة الجنسيات الأخرى التي تتمتع بحق المساواة مع الإسبان فيما يتعلق بالاستفادة من التعويضات غير الخاضعة للضريبة، حيث يُمكن لهذا الإدراج أن يُبرّر بعامل العلاقات التاريخية والمتميزة بين المملكتين المغربية والإسبانية، وفي حالة وقوع اعتراض على هذه التوصية الأخيرة، فذلك الإدراج يمكن تبريره وتفعيله على أساس التأصيل القانوني الذي انبثق من التأويل العريض لقانون اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية؛ تعديل الاتفاقية الثنائية للضمان الاجتماعي بين المملكتين لكي يتضمن نصها صراحة الحماية من البطالة؛ اقتران التعويض عن فقدان الشغل بسياسة أكثر شمولية للتكوين والدعم لأنشطة المقاولة الاقتصادية في المغرب واعتبارها جزءً من سياسة التعاون من أجل التنمية.
فيما يتعلق بمعاش الترمل في حالات التعدد، سيكون من المناسب حسب الدراسة، كاقتراح مستقبلي، اعتماد نظام قسمة المعاش بين المتوفى عنهن على عدد سنوات العشرة مع الزوج المتوفى. مثلاً تقسيم نصف المعاش بالتساوي بين الأرامل بصفة عامة وتقسيم النصف المتبقي حسب عدد سنوات العشرة؛ كما أوصت الدراسة باتخاذ إجراءات تولي حماية خاصة للمواطنين المغاربة المقيمين بصفة قانونية في إسبانيا، وذلك في اتجاهين بالأساس: الأول تسهيل المعلومات الكافية حول الإجراءات الواجب إتباعها للانخراط والاشتراك في النظام الخاص للعمال المستقلين؛ وتسهيل قدر المستطاع الحصول على تصريح الإقامة والشغل كمستقل في إطار اعتماد سياسة تقارب مع العامل المغربي، لأن جنسية الشخص لا تؤثر في عملية الانخراط والتسجيل وأداء الاشتراكات ولكن يكون لها تأثير عند طلب الحصول على ترخيص الإقامة والشغل كعامل مستقل.

زر الذهاب إلى الأعلى