المواطنسلايدر

بسبب الجفاف واستنزاف المياه.. واحات زاكورة جنة الأرض التي ذبلت

الدار/ هيام بحراوي

 

يعيش إقليم زاكورة التابع لجهة درعة تافيلالت في الجنوب الشرقي، وضعية مقلقة وصعبة، بسبب الجفاف الذي دام لمدة سبع سنوات، حسب خبراء في مجال البيئة.

هذا الجفاف دام بحسب ذات المصادر، من 2014 إلى 2022 ، وتسببت فيه مجموعة من العوامل أبرزها ، تراجع التساقطات المطرية بشكل كبير، “إذ لم تتعدى الأمطار خلال هذه السبع سنوات 30 ملمترا سنويا ، ودرجات الحرارة التي ارتفعت بشكل كبير بين 0.5 الى 1 درجة”.

 و تصل درجات الحرارة في فصل الصيف في هذه  المناطق  التي تتميز بانتشار الواحات  إلى أزيد من 50 درجة، فضلا عن التقارير الحديثة التي تتكلم عن ارتفاع نسبة التبخر ونسبة التصحر وزحف الرمال.

الجفاف القاتل

ضرب الجفاف القاسي، إقليم زاكورة، عدد من الفلاحين المنتمين لواحات درعة، أوضحوا أن هذه السنوات الأخيرة عرفت أقسى جفاف والذي أثر على حياة الساكنة ،التي تعاني على حد تعبيرهم “الويلات” بسبب نضوب الفرشة المائية سواء تعلق الأمر بالمياه السطحية او الباطنية.

أقشباب جمال، رئيس جمعية أصدقاء البيئة، قال في تصريح لموقع “الدار” أن حقينة سد المنصور الذهبي لا تتعدى 10  في المائة ، مشيرا أن هذا السد هو الذي يزود أزيد من 26 ألف هكتار من واحات النخيل لإقليم زاكورة بمياه السقي.

ولكن للأسف هذا السد وبسبب تراجع مياهه السطحية، يضيف أقشباب، توقف عن تزويد الواحات بالمياه، ولتدارك الموقف كان على الفلاحين العودة للمياه الجوفية لكن هذه المياه الجوفية ورغم أهميتها يؤكد مصدرنا ، تم استنزافها بشكل وصفه بـ” الممنهج” من خلال تشجيع زارعة دخيلة ، غير مستدامة مستنزفة للفرشة المائية  وهي “زراعة البطيخ الأحمر”.

وكانت نتيجة هذا “الإستنزاف” وهذا الجفاف حسب ذات المصدر “موت آلاف أشجار النخيل وجفاف الواحات التي تحولت من جنة خضراء لأراضي قاحلة شاحبة تنبئ بمستقبل سوداوي لهذه المنطقة التي تئن في صمت” .

وأضاف، أنه من نتائج هذا الوضع تراجع إنتاج التمور خلال السنوات الأخيرة ، بسبب الجفاف من جهة والحرائق المسجلة في الواحات بإقليم زاكورة والضواحي من جهة ثانية، حيث ينتظر غالبية الفلاحين المتضررين تدخل الوزارة المعنية بالقطاع لدعمهم لتجاوز خسارتهم وتحسين وضعهم المادي.

استنزاف المياه الجوفية

هذه الظروف الطبيعية ساهمت حسب رئيس جمعية أصدقاء البيئة، بشكل كبير في تدهور الموارد المائية، بإقليم زاكورة، لكن هناك أسباب أخرى أدت بدورها إلى استنزاف المياه الجوفية في المنطقة، وهي زراعة البطيخ الأحمر الذي تتطلب زراعته كميات كبيرة من المياه.

هذه الزراعة يضيف رئيس الجمعية، بدأت في الإقليم سنة 2008، عدد الهكتارات التي زرعت بهذا النوع من المزروعات آنذاك لم تكن تتعدى 2000 هكتار، لكن سنة بعد سنة ارتفع الاقبال على هذا النوع من المزروعات رغم أضرارها على الفرشة المائية، حتى بلغت أزيد من 20 ألف هكتار سنة 2018.

هذه الزراعة وحسب الدراسات تستنزف أكثر من 15 مليون من المياه الجوفية، التي هي مصدر سقي جدور النخيل ومصدر الأمن المائي والماء الصالح للشرب.

وطالبت جمعية أصدقاء البيئة من الحكومة الحالية، بمنع زراعة البطيخ الأحمر بالجنوب الشرقي وخاصة إقليم زاكورة، منوهة بالقرار الأخير الذي اتخذ من قبل وزارة التجهيز والماء بمباركة من الحكومة، بعدما تم منع زراعة البطيخ بإقليم طاطا، وذلك بسبب أزمة الجفاف .

فقد سبق وأكد وزير التجهيز والماء ، نزار بركة ، أن “عملية زراعة البطيخ الأحمر في مناطق الجنوب الشرقي مكلفة للغاية، حيث تستهلك، كميات كبيرة من المياه في مناطق تعاني في الأصل من نقص هذه المادة الحيوية، ما يؤثر على  الفرشة المائية بشكل مرتفع للغاية”.

وأضاف بركة، أنه رغم القيمة المرتفعة للبطيخ الأحمر ومردوديته الكبيرة على القطاع الفلاحي، إلا أنه يتسبب، على حد قوله، في استغلال مفرط للمياه خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر.

وشدد المتحدث ذاته أن الحكومة اتخذت قرارا صارما يمنع زراعة البطيخ الأحمر في طاطا بسبب الاستهلاك المفرط للفرشة المائية.

وأفاد الوزير، أن هذا الهدف من هذا القرار ليس توقيف الإنتاج بل العمل على أن يكون بكيفية معقلنة بغرض الاقتصاد في الموارد المائية.

 

انعكاسات خطيرة

 

زراعة البطيخ الأحمر والجفاف والتغيرات المناخية أدت إلى نتائج وانعكاسات خطيرة داخل الواحات التي يؤكد جمال أقشباب تعد “تراث حضاري وإنساني و لعبت أدوارا أساسية  في استقرار السكان مهد الحضارات القديمة “.

انعكاسات تجلت في هلاك أشجار النخيل ، فمن خلال الصور التي توصل بها موقع “الدار” يبدوا  المشهد مؤلما.

 فالجفاف حول حقول الواحات الى حقول جرداء يابسة  وفرت كل الشروط لانتشار الحرائق، خلال السنتين الماضيتين، ووفق ما تم التصريح به،  “التهمت النيران آلاف الهكتارات. أكثر من 40 ألف نخلة تعرضت للحرق”.

 هذا الدمار تضيف مصادرنا، انعكس بشكل ملموس على “مدخول الفلاحين وبشكل خاص انعكس على تسويق منتوج التمور وبالتالي كانت النتيجة انتشار الفقر وارتفاع نسبة الهجرة نحو مدن الشمال”.

وحسب المعطيات التي وفرتها وزارة الفلاحية على موقعها الرسمي على الأنترنت، فإن العدد الإجمالي لنخيل التمر بواحات جهة درعة تافيلالت يناهز 4 ملايين و853 ألف نخلة؛ وتمتد زراعة النخيل بهذه الجهة على مساحة 49 ألفا و564 هكتارا، بمتوسط إنتاج يصل إلى 100 ألف طن في السنة، أي ما يمثل 84 في المائة من الإنتاج الوطني.

أزمة العطش

بسبب الوضع السائد حاليا والذي زاد من تفاقمه قلة التساقطات المطرية بإقليم زاكورة، فإن السكان يعانون يوميا من مشكل ندرة المياه ويضطرون لقطع مسافات طويلة من أجل قطرة ماء .

فمجموعة من الدواوير، بعدد من الجماعات بإقليم زاكورة، تعاني لحد الساعة من خصاص كبير في الماء الصالح للشرب، ويتعلق الأمر بجماعة كتاوة والنقوب وتمكروت والبليدة وغيرها من المناطق.

هذه الساكنة وإن استمر الحال على ما هو عليه ستعاني الصيف المقبل من أزمة عطش حادة ستهدد بحسب مصادرنا المئات خاصة القاطنين بمجال الواحات.

فالنساء يستيقظن والأطفال مبكرا، لقطع عشرات الكيلومترات من أجل جلب المياه، وأوضحت ذات المصادر أن  هذه الفئة هي التي تتحمل عناء ومشقة البحث عن الماء الصالح للشرب، في الآبار المعدودة على رأس الأصابع، إذ تقف بالساعات محملة بحافظات مياه بلاستيكية، تحت أشعة الشمس الحارقة تنتظر دورها للحصول على الماء.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن “البحث اليومي عن الماء، أًصبح هما لدى ساكنة الدواوير، بعدما لم يتم تعميم هذه المادة الحيوية على جميع الجماعات الترابية والقروية، بإقليم زاكورة”.

وطالب أقشباب من المسؤولين المحليين والوطنيين، بوضع إستراتيجية مائية تنقذ المنطقة وسكانها من شبح العطش الذي يتهدد عشرات الدواويير، بسبب عدم تثمين الموارد المائية السطحية والباطنية.

 

مجهودات لتدارك الوضع

نظمت جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة يوما دراسيا  نهاية السنة الماضية كان تحت عنوان ” المخاطر البيئية التي تهدد واحات درعة : زراعة البطيخ الاحمر ، جفاف، حرائق الواحات ” بحضور تمثيلية الفلاحين بواحات درعة الست وفعاليات المجتمع المدني وباحثين.

وخلص النقاش بعد تشخيص الوضع، الذي تعيشه مناطق الواحات بزاكورة إلى تبني توصيات وأفكار واتخاذ تدابير استعجالية، لإنقاذ واحات إقليم زاكورة من الحرائق والفقر والهجرة…

فقد خرجت التوصيات بضرورة الاسراع بإنشاء سدود وعتبات لتعبئة مياه الفيضانات الموسمية وانعاش الفرشة المائية، وإعادة النظر في سد أحمد المنصور الذهبي بشكل يسمح بمرور المياه بشكل دائم لواحات درعة لتغذية الفرشة المائية بشكل دائم.

وتمت المطالبة بإحداث وكالة للحوض المائي بجهة درعة ومقرها يكون بمدينة زاكورة لوضع حد لما سمي ” فراغا المؤسساتيا في تدبير الموارد المائية والتخطيط لها وتقييمها ومراقبتها من الهدر والاستنزاف وعقلنة عملية حفر الآبار”.

وتمت المطالبة خلال هذا اليوم الدراسي بوقف زراعة البطيخ ، مع ضرورة إصدار قرار عاملي يعتبر إقليم زاكورة “منطقة منكوبة وجافة وتفعيل ميثاق التنمية المستدامة والاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية”.

ومن ضمن المطالب التي جاءت في توصيات جمعية أصدقاء البيئة، جبر ضرر الفلاحين سواء المتضررين من الجفاف والحرائق مع الاستفادة من الصندوق الوطني لمحاربة الكوارث ووضع برنامج للتكوين والإرشاد الفلاحي لفائدة الفلاحين وخلق مشاريع في مجال صناعة التمور وتثمينها وتحفيز شباب الواحات في الانخراط في هذه المشاريع.

وأيضا تشجيع البحث العلمي الفلاحي، وربط قضايا الواحات بالبحث الجامعي وإنشاء معهد عالي للتكنولوجيات تخصص التمور والسياحة والطاقات المتجددة والسقي والري…

وألحت الجمعية على ضرورة وضع استراتيجية تنموية مستدامة ومندمجة بمجال الواحات، تقوم على فلاحة مستدامة ومتكيفة مع خصوصيات المناخ، وتشجيع الزراعات البديلة المقتصدة للماء والمنتجة والمربحة كالزراعات العطرية والطبية .

وخلال هذا اليوم الدراسي تم تشكيل التنسيقية المحلية لإنقاذ واحات إقليم زاكورة، وستجتمع قريبا من أجل مناقشة هيكلتها التنظيمية وأهدافها وبرنامجها إضافة إلى فكرة توسيع دائرة الإنضمام إليها لتشمل هيئات مدنية وسياسية ومهنية لتشكل النواة الأولى لخلق جبهة قوية للدفاع عن قضايا واحات إقليم زاكورة .

ورغم المرافعات والمراسلات والأيام الدراسية على مستويات مختلفة منذ بداية زراعة البطيخ الأحمر بإقليم زاكورة فلا زال الوضع بحسب رئيس الجمعية، على ما هو عليه ولم تقم الجهات المعنية بأية مبادرة لتقنين هذه الزراعة بالإقليم بل الأخطر ، “أنه رغم منع هذه الزراعة في إقليم طاطا لا زال بعض الفلاحين مقبلين عليها بكثرة”.

فالسلطات الإقليمية ووزارة الفلاحة والأحواض المائية إلى حد الساعة لم تستطع حسب المتحدث “النجاح في إيجاد حل لمشاكل زراعة البطيخ وندرة المياه والجفاف بالإقليم” .

وتطالب الجمعيات والنشطاء البيئيون، الجهات المعنية باتخاذ تدابير وإجراءات مستعجلة لحل أزمة الماء في المناطق الصحراوية والشبه صحراوية التي تعاني الجفاف لسنوات عجاف.

ونبه جمال أقشباب في ختام حديثه، أن غياب وكالة الحوض المائي بالإقليم، ساهم في عدم احترام القوانين المائية، ما تسبب في استنزاف خطير للموارد المائية، موضحا أن مقر وكالة الحوض المائي يوجد في إقليم كلميم الذي يبعد عن زاكورة بألف كيلومتر.

وطالب المتحدث، باتخاذ تدابيرعاجلة ، لتدارك الوضع الحالي بالعمل على مستوى الجهات المركزية لإيجاد حلول لأزمة استنزاف الموارد المائية، وإحداث وكالة جديدة للحوض المائي بالإقليم من أجل ضبط استعمالات الماء.

زر الذهاب إلى الأعلى