أخبار الدار

الإدريسي: اختلاق جدل لغات التدريس هدفه صرف الأنظار عن مخطط تسليع التعليم

يعتبر عبد الرزاق الإدريسي الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي أن ما يحدث في تدبير ملف المتعاقدين ليس ارتباكا بقدر ما هو اختيار سياسي مملى المراكز المالية الدولية. ويؤكد في هذا الحوار أن الوزارة لم تتعامل مع اللقاءات حول ملف المتعاقدين بالجدين اللازمة إلى درجة أن وزير التربية الوطنية تغيب عن لقاء للحوار من أجل حضور مهرجان التبوريدة.

الدار/ حاوره: رشيد عفيف

– رغم اتفاق مبدئي بين الأساتذة المتعاقدين ووزارة التربية الوطنية يقضي بالعودة إلى العمل ومواصلة الحوار إلا ان الاحتقان عاد مجددا ورجع الكثير من الأساتذة المتعاقدين إلى الإضراب. بماذا تفسرون هذا الارتباك والصعوبة في تدبير هذا الملف؟

الأمر في نظرنا لا يتعلق بارتباك في "تدبير ملف التعاقد" بل هو اختيار سياسي مملى من المراكز المالية الدولية على أصحاب القرار والسلطة السياسية ببلادنا وهو بذلك يتجاوز حتى الحكومات وما بلاغ الأحزاب المشكلة للأغلبية وتصريحات بنعبد القادر وزير الوظيفة العمومية إلا تعبير عن هذا التشخيص، إنه اتجاه الدولة لتفكيك الخدمة والوظيفة العمومية، وسبق لبنكيران أن قال على الدولة أن ترفع يدها عن التعليم والصحة، وهو ترجمة للمادة 31 التراجعية من دستور 2011 والتي تُصرح بأن الدولة والجماعات تعمل (فقط) على تيسير الولوج للتعليم والصحة… عكس العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يعتبره الدستور يسمو على التشريعات الوطنية، بل يتعارض أيضا مع دستور 96 الذي نص على ضمان الدولة الحق في التعليم..بالنسبة لنا في الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي وكالعادة ما نقوله قبل الاجتماعات نقوله داخل الاجتماعات وبعد ذلك ننقل للجميع ما راج داخل الاجتماعات وهذا عبْر تصريحات عبر الإعلام والبلاغات والبيانات… لقد طالبنا مرارا وفي العديد من المناسبات ومنذ حوالي سنة بحضور ومشاركة ممثلين عن "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرِض عليهم التعاقد". أول اجتماع حضَرَتْه لجنة حوار التنسيقية تم السبت 13 أبريل 2019، وقبل ذلك كان لنا لقاء مع أمزازي سعيد وزير التربية صباح الخميس 11 أبريل (س9 و30) وطالبنا بعقد اجتماع قبل نهاية العطلة (الأحد 14 أبريل) وأجاب بأنه سيلتحق بالمجلس الحكومي وأن لجنة حكومية مكلفة بالملف (رئيس الحكومة ووزير داخلية ووزير التربية ووزير عن كل حزب من الائتلاف الحكومي)، سيطرح عليها مطلبنا، ونفس اليوم حوالي الساعة الثالثة أبلغنا رفض الحكومة لمطلبنا. 

– ما كان ردكم على هذا الرفض؟

عبرنا عن استيائنا واحتجاجنا وأخبرنا الرأي العام بذلك. وفي نهاية اليوم الموالي (الجمعة 12 أبريل) توصلنا بدعوة من الوزارة لحضور اجتماع (السبت 13 أبريل) تحضره لجنة عن التنسيقية… استفسرت عن تمثيلية الوزارة والحكومة وعلمت بحضور المدير المركزي للموارد البشرية ومدير أكاديمية طنجة تطوان الحسيمة، فعبرت عن احتجاجي وطالبت بحضور وزير التربية وممثلين عن الحكومة. عند الاجتماع حضر الكاتب العام لوزارة التربية الذي ترأس الاجتماع من أوله إلى آخره وقد افتتحه بتقديم اعتذار وزير التربية عن الحضور لوجوده في مهمة خارج الرباط. علمنا أنه كان مع صديقه مبديع بالفقيه بنصالح بمهرجان التبوريدة وهو المسؤول عن تعليم 7 ملايين من بنات وأبناء المغرب. تم الاجتماع بخلاصات: إرجاع المطرودين، توقيف جميع الإجراءات الزجرية والعقابية، تسريح الأجور، جعل حد للإجراءات الاستفزازية من استفسارات الغياب ومحاضر التحاقات بالعمل، عقد اجتماع الثلاثاء 23 أبريل بحضور ممثلي التنسيقية لمناقشة ملف التعاقد في شموليته ودون تسقيف… وتم الحسم في جميع الأمور إلا مسألة توقيف الإضراب من عدمه حيث اعتبرت لجنة الحوار باسم التنسيقية ضرورة الرجوع إلى المجلس الوطني ليتخذ القرار. مباشرة بعد رفع الاجتماع أصدرت وزارة التربية بلاغها، الذي كان جاهزا، وكعادتها غير مؤرخ (لا زمان ولا مكان !!) وغير موقع (اسم وصفة وتوقيع) وبدون خاتم!! هذا من ناحية الشكل (تعوَّدْناه..) أما مضمونا فوزارة التربية هي فقط نظمت لقاء بين أطراف حيث حضَّرت القاعة والكراسي وماء وصونو.. وكأن الكاتب العام للوزارة لم يترأس الاجتماع ولا وفد مرافق له… أضف إلى ذلك تصريحات وزير التربية باسم الحكومة بمجلس المستشارين وللصحافة حول الملف وعزم الحكومة على عدم التراجع… وتوالت الأحداث وتم تمديد الإضراب والإنزال إلى الرباط (22 إلى 25 أبريل).

– هناك من يتهم النقابات الاكثر تمثيلية بالحياد السلبي في موضوع التعاقد الذي كان من المفترض ان يتم اتخاذ مواقف حاسمة بخصوصه منذ ان تم اقراره كقانون. هل يمكن أن نقول أن النقابات ساهمت بصمتها في فرض هذا النمط من التوظيف؟

نحن كجامعة وطنية للتعليم كنا واضحين منذ إقرار التعاقد في "ميثاق التربية والتكوين" سنة 2000 وعند إحداث الأكاديميات كمؤسسات عمومية تُشغل مدرِّسين/ات مستخدَمين/ات.. كما أننا رغم حصولنا على التمثيلية (2015)، (بالتربية الوطنية من أصل 6 نقابات وبإدارات التعليم العالي من أصل 4)، لم نُطالب بالعضوية بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي حضَّر الرِؤية الاستراتيجية واستشارتْه حكومة بنكيران حول القانون الإطار الذي يضرب ما تبقى من المجانية ويقر التوظيف بالتعاقد. وعبرنا عن رفضنا لكل تلك السياسات المملاة، وعن مواقفنا الواضحة من فسخ عقدة أستاذ زاكورة وطرحنا ملف التعاقد في كل المناسبات ومع الوزير الأسبق حصاد (خلال 3 اجتماعات على 3) ودعمنا محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا المعنيين والمعنيات قبل وبعد تأسيس التنسيقية (مارس 2018) مع الاحترام الكامل لاستقلالية القرار والتنظيم للتنسيقية، وهناك من يؤاخذ علينا ذلك… وطرحنا الملف كذلك مع الوزير أمزازي سعيد (خلال 3 اجتماعات على 3) حتى كانت إضرابات يناير وفبراير ومارس 2019 ولأول مرة يُطرح معنا ملف التعاقد من طرف أمزازي باسم الحكومة كان السبت  9 مارس 2019 وأُخبرنا بتغيير 14 نقطة في "النظام الأساسي لأطر الأكاديميات" اعتبرناها تلفيفا جديدا وتعميما للتعاقد على الفئات الأخرى (مبرز، مفتش، مدير، ناظر…)

– أثارت قضية لغات التدريس جدلا كبيرا واستأثرت باهتمام الأحزاب والفاعلين السياسيين بينما ظل صوت النقابات خافتا. ما تصوركم لهذه المسألة وهل تعتبر قضية جوهرية في موضوع إصلاح التعليم؟

موقفنا واضح في الأمر ومتعلق بتطبيق مبدأ أساسي من المبادئ الأربع للتعليم المسطرة منذ 62 سنة (1957) وهو مبدأ توحيد التعليم، فلو كان تعليمنا موحدا ومجانيا من الأولي إلى العالي لجميع بنات وأبناء شعبنا بفرص متكافئة وبغض النظر عن الموقع الطبقي والاجتماعي والاقتصادي والجغرافي… كما هو بدول تعتبرها الدولة المغربية نموذجا كفرنسا.. حيث بنات وأبناء المسؤولين الحكوميين والباطرونا وأصحاب الأعمال… يدرسون في نفس المؤسسة مع بنات وأبناء العمال والكادحين بغض النظر عن أصلهم… في هاته الحالة الكل يدافع عن نفس التعليم شكلا ومضمونا وبنفس الحماس… أما نحن في بلدنا فلدينا التعليم التقليدي العتيق والأصيل والعصري والخصوصي (المحلي والدولي) وتعليم البعثات الأجنبية… وكلها بتفاوتات كبيرة وبسرعات مختلفة… وبلغات وبرامج ومناهج مختلفة…فالغرض من إثارة لغات التدريس هو فتح معارك جانبية هوياتية بين الفرنكوفونيين والعروبيين والإسلامويين… لصرف أنظارنا عن المخططات والتراجعات لتمريرها خصوصا ضرب المرفق العمومي وتسليع الخدمات العمومية على رأسها التعليم. أما بخصوص لغات التدريس فالجامعة الوطنية للتعليم مع تدريس المواد العلمية بما فيها العلوم الإنسانية باللغات التي يجري بها البحث العلمي بالعالم كالإنجليزية والفرنسية والألمانية… وهذا لا يقود كما يروج البعض إلى تهميش العربية والأمازيغية، فقبل التعريب كانت العربية أقوى وكان المثقفون والمفكرون والفلاسفة والمبدعون المغاربة الذين يكتبون بالعربية أكثر وأجود من وقتنا الحالي، بل أن التعريب كان قرارا سياسيا للتجهيل والانغلاق صاحبه تقليص حصص الفلسفة بالثانويات وإغلاق شعب الفلسفة وحصرها بجامعتي فاس والرباط وإحداث الدراسات الإسلامية بالجامعية. وكيف لهؤلاء السياسيين يدرسون أبناءهم بالبعثات الأجنبية المختلفة ويؤبدون الجهل والانغلاق على أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة ببلادنا، إنه النفاق.

– يبدو أن قطاع التعليم يعيش على إيقاع تجزيء أو تشتيت للملفات التي تشغل كل الفرقاء دون أن تقود الى التوصل لحل المعضلة التربوية. ما هي الأركان الكبرى التي يمكن أن يقوم عليها اصلاح حقيقي وعميق للمنظومة التربوية؟

لا إصلاح تعليمي حقيقي دون محاسبة مسؤولي السياسات السابقة، وإفلاتهم من العقاب في الجرائم المرتبكة ضد الأجيال وتعليمهم، ويتطلب هذا على الأقل استرجاع الأموال العمومية المنهوبة بالتعليم ومختلف القطاعات والمناطق والمشاريع والمتابعة القضائية والإدارية. كما أننا نؤكد على أن يكون عندنا تعليما عموميا مجانيا وحيدا وموحدا لجميع المغاربة والمغربيات بمختلف الطبقات الاجتماعية دون تمييز، وفصله عن التعليم الديني، وجعله خلاقا لأجيال قادرة على التواصل مع العالم بتمكنها من اللغات والتكنولوجيا الحديثة والعلوم الحديثة والعلوم الإنسانية والفنون الجميلة. ولن يتأتى ذلك إلا بتوفر الإرادة السياسية وتوفير الإمكانيات وسن نظام أساسي موحد لكل موظفي التربية الوطنية والتعليم وإدماج المفروض عليهم التعاقد وحل المشاكل وتصحيح أوضاع الفئات المتضررة كضحايا النظامين والزنزانة 9 وحاملي الشهادات والدكاترة والمبرزين والمستبرزين والمكلفين خارج السلك والتوجيه والتخطيط والتفتيش والإدارة التربوية.. والتعويض عن العمل بالمناطق الصعبة والدرجة الجديدة.. وسائر الفئات وجبر ضررها. مع إعادة تأهيل مراكز التكوين ومعاهد ومختبرات البحث التربوي ومراجعة سياسة التكوين لتأهيل خريجين متعددي الأبعاد كما بالأنظمة التعليمية التي تحترم أبناءها، مثلا يكون أستاذ العربية واللغات وأستاذ الرياضيات والعلوم وأستاذ الابداع والفنون الجميلة. ويجب إصلاح الزمن المدرسي والمضامين والمحتويات ومعمار المؤسسات وجماليتها…

– تتجه الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية وبإشراف من وزارة الداخلية نحو التوافق حول مخرجات الحوار الاجتماعي. ما موقفكم من العرض الذي سيتم اقراره؟

بالجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي عبر بياننا بتاريخ 16 أبريل 2019 بخصوص الاتفاق المنتظر توقيعه اعتبرناه هزيلا ومذلا للطبقة العاملة ولعموم الموظفين لكونه غيب الحقوق والحريات النقابية وتجاهل ما تبقى من اتفاقي 19 و26 أبريل 2011 الذي فرضته حركة 20 فبراير وعدم تناوله ملف تفكيك الوظيفة والخدمات العمومية وعلى رأسها التعاقد والتقاعد المقبل على مزيد من التراجع والقانون التنظيمي للإضراب والملفات العالقة منذ سنوات بالتعليم، فضلا عن أن الزيادات المقترحة على فترات لا تساوي حتى المبالغ التي تم خصمها بموجب ما سمي بإصلاح التقاعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى