أخبار دوليةسلايدر

لماذا يتزلّّف الكابرانات لواشنطن ويعيدون فتح السفارة في أوكرانيا؟

الدار/ تحليل

 

دون سابق إنذار يخصص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حواره التلفزيوني الأخير وقتا مهما لمناقشة علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية. لقد كاد بيدق الكابرانات أن يتوسّل خلال هذا الحوار للمسؤولين الأمريكيين ويقدم فروض الولاء والطاعة، بل ويعلن استعداده لوضع كل ما تملكه الجزائر رهن إشارة واشنطن. تبون الذي يعيش منذ توليه منصب الرئاسة حالة إسهال إعلامي حاد اعتذر ضمنيا للولايات المتحدة وهو يخاطب الأمريكيين قائلا “نحن بلد صديق، ولسنا عدوا”، مؤكدا أنه سبق له أن أخبر كل المسؤولين الذين زاروا الجزائر بذلك.

لكن ما الذي يدفع تبون والكابرانات إلى هذا التزّلف لواشنطن في الوقت الراهن؟ جزء من الجواب لمّح إليه تبون نفسه عندما أعلن أن بلاده ستعيد فتح سفارتها بأوكرانيا من جديد. فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل سنة من الآن بالضبط، لم تتردد الجزائر في إغلاق سفارتها بكييف لأنها لم تكن قادرة طبعا على اتخاذ موقف الحياد من حرب يخوضها العرّاب الروسي. واليوم وبعد أن قطعت هذه الحرب أكثر من عام وبلغت مستوى متقدما، واقتربت ملامح حسمها مع فشل روسي واضح في تحقيق نصر بيّن، يريد تبون أن يستبق الأمور ويحاول تحسين صورة بلاده لدى واشنطن التي تضبط جيدا قائمة الدول التي فضّلت الاصطفاف إلى جانب روسيا في معركة استراتيجية كبرى من هذا الحجم.

عندما يخاطب رئيس دولة واشنطن بالقول: “نحن بلد صديق ولسنا عدوا” فهذا دليل على حجم التخوف والقلق الذي يساور الكابرانات من احتمال حسم الحرب الروسية الأوكرانية قريبا بهزيمة موسكو، وانطلاق مرحلة تقديم الحساب للكثير من الأنظمة المحسوبة على المعسكر الروسي. والذي يزيد من هذه المخاوف أكثر هو ما أشار إليه تبون أيضا عندما حاول إنكار العلاقات التي تجمع بلاده بإيران. وقد قال تبون في هذا الإطار إن كل ما يثار حول علاقة الجزائر وإيران لا يجعل من بلاده دولة شمولية. إننا نكاد نجزم هنا أن هذه الخرجة التلفزيونية الجديدة لرئيس الجزائر إنما كان الهدف منها تمرير هذه الرسائل نحو الطرف الأمريكي.

هناك شعور مفزع لدى الكابرانات بأن علاقاتهم مع هذه الأنظمة المارقة كإيران قد تكون وبالا عليهم في أي لحظة من لحظات التطورات التاريخية المزلزلة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن. لقد بلغ الخوف بالرجل حد تصريحه بأن علاقات بلاده مع روسيا “يعرفها الخاص والعام”. إذا كانت هذه العلاقات معروفة كما يقول للجميع فما الحاجة إلى إعادة التذكير بذلك؟ لا يوجد تفسير آخر غير هذا الإحساس الكاسح بالذنب والتوجس من تطورات وشيكة في مسار الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا. كما أن هذه التصريحات تعكس جانبا آخر بارزا من شخصية هذا النظام العسكري. إنه تلوّن المواقف واللعب على الحبلين.

من المفروض ألّا يلجأ رئيس دولة إلى تبرير علاقاته الخارجية مع أي نظام كان ما دامت هذه العلاقات سيادية وتم نسجها باختيار داخلي محض وتوجهات وطنية خالصة. إذا كان الكابرانات قد اختاروا الارتباط بموسكو تاريخيا وحاليا فينبغي ألّا يكون ذلك أصلا موضوع تفسير وشرح لأي طرف كان، وأن يتحمّلوا كاملا مسؤولياتهم في الذهاب بعيدا في تفعيل هذه العلاقات والحرص على استمرارها. كما أن قرارهم بمواصلة العلاقات مع طهران وتطويرها على الرغم من تعارضها مع المصالح العربية المشتركة ينبغي أيضا أن يتحمّلوا كامل مسؤولياتهم فيه. سيكون من الجبن والدناءة أن يتبرأ نظام الكابرانات من كافة اختياراته الدبلوماسية السابقة عندما يشعر بقرب غرق السفينة، ثم يحاول في آخر اللحظات أن يلتحق بالمعسكر المقابل لأن التاريخ لا يمكن محوه بمجرد إطلاق تصريح أو إجراء حوار تلفزيوني.

زر الذهاب إلى الأعلى