الدين والحياة

مؤسسات دينية.. المجالس العلمية المحلية: الإرشاد الديني وانصاف للمرأة المتفقهة

الدار/ إعداد: المحجوب داسع

مع انطلاق إعادة هيكلة الحقل الديني في المملكة عقب الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء، تمت هيكلة عدد من المؤسسات الدينية، وتحيين اختصاصاتها مع تستوجبه رهانات المرحلة، علاوة على إنشاء أخرى.

وتتوزع هذه المؤسسات بين المنوط بها مهمة الإفتاء، وترشيد المواطنين في أمورهم الدينية، وبين التي يتمثل دورها في التدبير الإداري. الى جانب ذلك تعمل أخرى في الجانب المتصل بتكوين العلماء، وتأهيلهم، وتنشيط البحث الأكاديمي في العلوم الإسلامية.

والملاحظ أن مصطلح "التجربة المغربية في تدبير المجال الديني"، غالبا ما يرتبط بهذه المؤسسات الدينية، التي وان كانت مهامها واختصاصاتها تختلف من مؤسسة إلى أخرى، إلا أنها تصب في منبع واحد، تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين.

وسنحاول من خلال هذه السلسلة الرمضانية، تقديم خريطة المؤسسة الفاعلة في الحقل الديني في المملكة، واختصاصاتها وهيكلتها، وكذا بعض الانتقادات التي توجها اليها، على أمل أن تتوضح هذه "الخريطة" في أذهان القراء وعامة المواطنين.

المجالس العلمية المحلية والإقليمية

رأينا في الحلقتين الماضيتين، أن مهمة وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية تتصل بكما هو تدبيري اداري محض من خلال مندوبياتها الاقليمية، فيما تتمثل مهمة المجلس العلمي الاعلى في إصدار الفتاوي في النوازل التي تعرض عليه من خلال الهيئة العلمية المكلفة بالافتاء. ونتوقف في هذه الحلقة مع المجالس العلمية المحلية والإقليمية.

تعد المجالس العلمية، امتدادا لطبقة العلماء، ونتاج تطور لراسب بنيوي داخل حياة الملوك و السلاطين الدين حكموا المغرب. ومع الغزو الاستعماري لعبت طبقة العلماء دور كبير في الاستقلال.

وسيزداد اهتمام النظام بهذه الطبقة،  لا سيما بعد ظهور الحركات اليسارية بشكل قوي بمختلف منظماتها و أحزابها و نقاباتها، وكذا بداية تمكن بعض الحركات الإسلامية من فرض إيديولوجياتها داخل المجتمع. هذه التطورات دفعت الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1980 إلى إصدار ظهير ملكي ينظم عمل العلماء و يمكنهم من الاقتراب من المواطن حتى يتسنى له معرفة أمور دينه بدل الانشغال بالأفكار الهدامة. وهنا يكمن دور المجالس العلمية المحلية المتمثل بالأساس في ترشيد المواطنين في امورهم الدينية. فدورها هو الارشاد الديني.

 في فاتح فبراير1980، سيلقي الملك الراحل الحسن الثاني، خطابا تم بموجبه انشاء المجالس العملية المحلية، حيث قال :(…أصبحتم حضرات العلماء غائبين عن الميدان اليومي في المغرب، بل يمكنني أن أقول، أنكم أصبحتم غرباء….أصبح الإسلام وتدريس الإسلام في الجامعات و في المدارس الثانوية لا يعدو أن يكون دروس تعليم الوضوء ومبطلات الصلاة، فأين هو تحليل النظام الاقتصادي و الاجتماعي…)، مضيفا  (…إذ جعلنا في ظهيرنا إمكانية خلق مجالس علمية في كل إقليم كلما توفر الإقليم على الأطر الصالحة التي يمكنها أن تبلغ و تحسن التبليغ) .

تطوير هذه المجالس العلمية المحلية والاقليمية سيستمر مع الملك محمد السادس، عقب أحداث 16 ماي2003، وانطلاق هيكلة الحقل الديني، اذ تم تأهيل المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية. وفي هذا الصدد قال  الملك محمد السادس بخصوص تعيين هذه المجالس في خطاب ألقاه يوم 30 أبريل 2004: (لقد وضعنا طابعنا الشريف، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولا سيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين، حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس، إنصافا لها، ومساواة مع شقيقها الرجل).

وتنزيلا للتعليمات الواردة في هذا الخطاب، انتقل عدد المجالس العلمية الإقليمية من 19 إلى 30 إلى 82 مجلسا، كما تم الرفع من اعتماداتها المالية (حوالي أربع مليارات تصرف سنويا)، والسير نحو استقلالية مالية وإدارية عن الوزارة الوصي، وإشراك العنصر النسوي بخلق خلية المرأة، و الرفع من عدد الأعضاء.

ويتمثل دور هذه المجالس الى جانب الارشاد الديني، في ضبط ملف التزكيات في الإمامة و الخطابة و الوعظ و الإرشاد و حفظ القرآن الكريم، كما انفتحت على بعض شرائح المجتمع، و لا سيما المرأة في المساجد من خلال دروس الوعظ و الإرشاد وتحفيظ القرآن، كما أن هذه المجالس سجلت حضورا متميزا على مستوى المدن بنسب مختلفة و على مستوى القرى والبوادي .بالإضافة إلى مجموعة من الأنشطة التربوية والثقافية والمسابقات الدينية واللقاءات التواصلية مع باقي الفاعلين في الحقل الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى