الدار : يسرى اسماعيلي
لا أقدر على الحركة، يد قوية تشل كياني، تعريني من هويتي الحقيقية، يد قوية منه..فتجيبني بإشارة من سبابتها الضخمة، تحركها أمام عيني يمينا يسارا، ثم تضغط بها على فمي اليابس، بمعنى اصمتي ولا تفتحي فاهك، تذكرت حينها مثالا شعبيا يقول أن ” الفم المحلول كيدخلو الذبان”…
زممت شفتي خوفا من الذباب المقزز، نظرت إلى فوق، واغرورقت عيناي بالدموع، بدأت تنسكب دفعة واحدة مالحة لا صوت لها.
باغتتني غفوة جميلة هادئة، رأيت نفسي أرتدي فستانا أبيض مزركشا بزهور التوليب الوردية، أحسست بحرية تامة غير مقيدة، تنفست الصعداء بعمق، وابتسامة طفولية تعلو محياي، لأجد نفسي بعدها وسط عالم مغاير تماما لعالمنا.. أناس كثيرون يتحركون بسرعة وجدية لم أعهدها من قبل. شكلهم أنيق، يحملون في يد حقائب جلدية لامعة، وفي اليد الآخرى جرائد وبعض الكتب.
النساء هناك جميلات، ملابسهن أنيقة، مريحة، ملونة، وملامحهن متراصة، مرتبة لا يبدو عليها التعب والوهن.. تبدو العلاقة بين الجنسين إيجابية، الرجل يحترم المرأة، والمرأة تحترم الرجل، فتبدو المرأة حرة في اختياراتها، ملابسها، أسلوب حياتها، عملها، حجابها، طريقة تصفيف شعرها….أما الرجل فيبدو مركزا على هدف ما يريد بلوغه.. لا وقت لديه للتأمل في أجساد النساء من حوله، لا في قوامهن ولا مشيهن.
وأنا أتأمل المشهد المريح من حولي، سمعت صراخا مدويا لم أتبين مصدره، وإذا بجسدي الصغير المثير للشفقة يهتز من مكانه بدون رغبة مني، فتحت عيني وإذا باليد تبرحني ضربا، تعنفني بهستيريا حادة، تجردني من عباءتي، وتلقي بي أرضا عارية متجمدة الأطراف.. برودة الأرض تمخر عظامي.. حينها فقدت الوعي فضاعت مني خيوط الإدراك في عالم أجهل فيه من أنا ومن أكون غير أن النساء الجميلات وحدهن بقين عالقات في مخيلتي.